فَرْعٌ:
لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً: مَالِي صَدَقَةٌ، أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَفِيهِ أَوْجُهٌ:
أَحَدُهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: أَنَّهُ لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ الْتِزَامٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَمَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي، فَيَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ. وَالثَّالِثُ: يَصِيرُ مَالُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ صَدَقَةً، كَمَا لَوْ قَالَ: جَعَلْتُ هَذِهِ الشَّاةَ أُضْحِيَةً. وَقَالَ فِي التَّتِمَّةِ: إِنْ كَانَ الْمَفْهُومُ مِنَ اللَّفْظِ فِي عُرْفِهِمْ مَعْنَى النَّذْرِ، أَوْ نَوَاهُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي أَوْ أُنْفِقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِلَّا فَلَغْوٌ. وَأَمَّا إِذَا قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا، أَوْ فَعَلْتُ كَذَا، فَمَالِي صَدَقَةٌ، فَالْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي، أَوْ بِجَمِيعِ مَالِي. وَطَرِيقُ الْوَفَاءِ: أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ أَمْوَالِهِ. وَإِذَا قَالَ: فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ أَمْوَالِهِ عَلَى الْغُزَاةِ. وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَالْغَزَالِيُّ: يَخْرُجُ هَذَا عَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى. وَالْمُعْتَمَدُ، مَا نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَهُ الْجُمْهُورُ.
الصِّيغَةُ قَدْ تَتَرَدَّدُ، فَتَحْتَمِلُ نَذْرَ التَّبَرُّرِ، وَتَحْتَمِلُ نَذْرَ اللَّجَاجِ، فَيُرْجَعُ فِيهَا إِلَى قَصْدِ الشَّخْصِ وَإِرَادَتِهِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا، بِأَنَّهُ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ يَرْغَبُ فِي السَّبَبِ، وَهُوَ شِفَاءُ الْمَرِيضِ مَثَلًا بِالْتِزَامِ الْمُسَبَّبِ، وَهُوَ الْقُرْبَةُ الْمُسَمَّاةُ. وَفِي اللَّجَاجِ يَرْغَبُ عَنِ السَّبَبِ لِكَرَاهَتِهِ الْمُلْتَزَمَ. وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي ضَبْطِهِ، أَنَّ الْفِعْلَ إِمَّا طَاعَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute