فَرْعٌ:
هَلْ يَجِبُ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ الْمَنْذُورِ، أَمْ تَكْفِي نِيَّتُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ؟ يُبْنَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا الْتَزَمَ عِبَادَةً بِالنَّذْرِ وَأَطْلَقَهَا، فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ يُنَزَّلُ نَذْرُهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ مَأْخُوذَانِ مِنْ مَعَانِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
أَحَدُهُمَا: يُنَزَّلُ عَلَى أَقَلِّ وَاجِبٍ مِنْ جِنْسِهِ يَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ وَاجِبٌ، فَجُعِلَ كَوَاجِبٍ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءً. وَالثَّانِي: يُنَزَّلُ عَلَى أَقَلِّ مَا يَصِحُّ مِنْ جِنْسِهِ. وَقَدْ يُقَالُ: عَلَى أَقَلِّ جَائِزِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ النَّاذِرِ لَا يَقْتَضِي الْتِزَامَ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ. وَهَذَا الثَّانِي، أَصَحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَالْغَزَالِيِّ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ، فَقَدْ صَحَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، والرُّويَانِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ، أَوْجَبْنَا التَّبْيِيتَ، وَإِلَّا، جَوَّزْنَاهُ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ، هَذَا إِذَا أَطْلَقَ نَذْرَ الصَّوْمِ. فَأَمَّا إِذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ، فَصِحَّتُهُ بِنِيَّةِ النَّهَارِ مَعَ التَّنْزِيلِ عَلَى أَقَلِّ مَا يَصِحُّ، تَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ إِذَا نَوَاهُ نَهَارًا، هَلْ يَكُونُ صَائِمًا مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ، أَمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ؟ وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي بَابِهِ.
وَالْأَصَحُّ: الثَّانِي. فَإِنْ قُلْنَا بِهِ، صَحَّ صَوْمُ النَّاذِرِ بِنِيَّةِ النَّهَارِ، وَإِلَّا، وَجَبَ التَّبْيِيتُ. وَيَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَنْزِيلِ النَّذْرِ، مَسَائِلُ:
مِنْهَا: لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ وَأَطْلَقَ، إِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الثَّانِي، فَرَكْعَةٌ، وَإِلَّا، فَرَكْعَتَانِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ.
وَمِنْهَا: جَوَازُ الصَّلَاةِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَيْهِمَا. فَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا، جَازَ الْقُعُودُ قَطْعًا، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِنَذْرِ رَكْعَةٍ، أَجْزَأَتْهُ قَطْعًا. فَإِنْ صَلَّى قَائِمًا، فَهُوَ أَفْضَلُ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا، لَزِمَهُ الْقِيَامُ قَطْعًا. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ بِتَشَهُّدٍ أَوْ بِتَشَهُّدَيْنِ، قَطَعَ صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» بِجَوَازِهِ. وَفِي التَّتِمَّةِ: فِيهِ وَجْهَانِ. وَيُمْكِنُ بِنَاؤُهُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute