الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَالَ الْقَفَّالُ: مَنِ الْتَزَمَ بِالنَّذْرِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ الْآدَمِيِّينَ، يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: لَا، لِمَا فِيهِ مِنَ التَّضْيِيقِ وَالتَّشْدِيدِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرْعِنَا، كَمَا لَوْ نَذَرَ الْوُقُوفَ فِي الشَّمْسِ.
قُلْتُ: الِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَصَحُّ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي صَحِيحَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ النَّذْرِ. وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ: أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَلِدُ أَوْلَادًا وَيَمُوتُونَ، فَقَالَتْ: إِنْ عَاشَ لِي وَلَدٌ، فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ، قَالَ: يُشْتَرَطُ لِلُزُومِ الْعِتْقِ أَنْ يَعِيشَ لَهَا وَلَدٌ أَكْثَرَ مِمَّا عَاشَ أَكْبَرُ أَوْلَادِهَا الْمَوْتَى، وَإِنْ قَلَّتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ. وَقَالَ الْعَبَّادِيُّ: مَتَى وَلَدَتْ حَيًّا، لَزِمَهَا الْعِتْقُ وَإِنْ لَمْ يَعِشْ أَكْثَرَ مِنْ سَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَاشَ. وَالْأَوَّلُ: أَصَحُّ. وَأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِهَذِهِ الشَّاةِ عَلَى أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا، لَا يَنْعَقِدُ. وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ، فَشُفِيَ، فَأَرَادَ التَّصَدُّقَ بِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَرِيضِ وَهُوَ فَقِيرٌ، فَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، جَازَ، وَإِلَّا، فَلَا، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِي أَوْ عَلَى زَيْدٍ وَزَيْدٌ مُوسِرٌ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ ; لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ جَائِزَةٌ وَقُرْبَةٌ، وَأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ قَالَ إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْأَثَانِينَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ. قَالَ: لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ مُسْتَحَقٌّ لِغَيْرِهِ. وَقَالَ الْعَبَّادِيُّ: يَنْعَقِدُ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ. قِيلَ لَهُ: لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ، فَقَالَ: إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ، فَعَلَيَّ عِتْقُهُ، قَالَ: يَنْعَقِدَانِ، فَإِنْ وَقَعَا مَعًا، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، هَذَا آخِرُ الْمَنْقُولِ مِنْ فَتَاوَى الْقَاضِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute