الطَّلَاقِ، وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا مَبْسُوطَةً فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى: أَنَّهُ يَنْعَقِدُ، قَالَ: وَإِذَا قَبِلَ الْمَكْتُوبُ إِلَيْهِ، ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ، مَا دَامَ فِي مَجْلِسِ الْقَبُولِ، وَيَتَمَادَى خِيَارُ الْكَاتِبِ أَيْضًا إِلَى أَنْ يَنْقَطِعَ خِيَارُ الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ، حَتَّى لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنِ الْإِيجَابِ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ مَجْلِسَهُ، صَحَّ رُجُوعُهُ، وَلَمْ يَنْعَقِدِ الْبَيْعُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ تَبَايَعَ حَاضِرَانِ بِالْمُكَاتَبَةِ، فَإِنْ مَنَعْنَاهُ فِي الْغَيْبَةِ، فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَّا، فَوَجْهَانِ. وَحُكْمُ الْكَتْبِ عَلَى الْقِرْطَاسِ، وَالرَّقِّ، وَاللَّوْحِ، وَالْأَرْضِ، وَالنَّقْشِ عَلَى الْحَجَرِ وَالْخَشَبِ - وَاحِدٌ، وَلَا أَثَرَ لِرَسْمِ الْأَحْرُفِ عَلَى الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَفْرِيعًا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ بِالْمُكَاتَبَةِ.
لَوْ قَالَ: بِعْتُ دَارِيَ لِفُلَانٍ وَهُوَ غَائِبٌ، فَلَمَّا بَلَغَهُ الْخَبَرُ قَالَ: قَبِلْتُ، انْعَقَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ النُّطْقَ أَقْوَى مِنَ الْكَتْبِ. قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ، فِي أَنَّ الْبَيْعَ وَنَحْوَهُ، هَلْ يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ هُوَ فِيمَا إِذَا عُدِمَتْ قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ، فَإِنْ تَوَفَّرَتْ وَأَفَادَتِ التَّفَاهُمَ، وَجَبَ الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ، لَكِنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ بِالْكِنَايَةِ وَإِنْ تَوَفَّرَتِ الْقَرَائِنُ. وَأَمَّا الْبَيْعُ الْمُقَيَّدُ بِالْإِشْهَادِ، فَقَالَ فِي «الْوَسِيطِ» : الظَّاهِرُ انْعِقَادُهُ عِنْدَ تَوَفُّرِ الْقَرَائِنِ.
قُلْتُ: قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى: لَوْ قَالَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ: بِعْنِي، فَقَالَ: قَدْ بَاعَكَ اللَّهُ، أَوْ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهِ، أَوْ قَالَ فِي النِّكَاحِ: زَوَّجَكَ اللَّهُ بِنْتِي، أَوْ قَالَ فِي الْإِقَالَةِ: قَدْ أَقَالَكَ اللَّهُ، أَوْ قَدْ رَدَّهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، فَهَذَا كِنَايَةٌ، فَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِكُلِّ حَالٍ. وَأَمَّا الْبَيْعُ وَالْإِقَالَةُ، فَإِنْ نَوَاهُمَا، صَحَّا، وَإِلَّا، فَلَا. وَإِذَا نَوَاهُمَا، كَانَ التَّقْدِيرُ: قَدْ أَقَالَكَ اللَّهُ لِأَنِّي قَدْ أَقَلْتُكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute