فَلَا يَنْعَقِدُ بِعِبَارَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، لَا لِأَنْفُسِهِمَا، وَلَا لِغَيْرِهِمَا، سَوَاءٌ كَانَ الصَّبِيُّ مُمَيِّزًا أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، بَاشَرَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَسَوَاءٌ بَيْعُ الِاخْتِبَارِ وَغَيْرُهُ. وَبَيْعُ الِاخْتِبَارِ: هُوَ الَّذِي يَمْتَحِنُهُ الْوَلِيُّ بِهِ لِيَسْتَبِينَ رُشْدَهُ عِنْدَ مُنَاهَزَةِ الِاحْتِلَامِ، وَلَكِنْ يُفَوَّضُ إِلَيْهِ الِاسْتِيَامُ وَتَدْبِيرُ الْعَقْلِ، فَإِذَا انْتَهَى الْأَمْرُ إِلَى اللَّفْظِ، أَتَى بِهِ الْوَلِيُّ. وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ: يَصِحُّ مِنْهُ بَيْعُ الِاخْتِبَارِ.
قُلْتُ: وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُتَعَاقِدَيْنِ، الِاخْتِيَارُ. فَإِنْ أُكْرِهَا عَلَى الْبَيْعِ، لَمْ يَصِحَّ، إِلَّا إِذَا أُكْرِهَ بِحَقٍّ، بِأَنْ يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ بَيْعُ مَالِهِ لِوَفَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ، أَوْ شِرَاءُ مَالٍ أُسْلِمَ إِلَيْهِ فِيهِ، فَأَكْرَهَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، صَحَّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ إِكْرَاهٌ بِحَقٍّ. فَأَمَّا بَيْعُ الْمُصَادَرِ، فَالْأَصَحُّ: صِحَّتُهُ. وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي نِصْفِ الْبَابِ الثَّانِي مِنَ الْأَطْعِمَةِ. وَيَصِحُّ بَيْعُ السَّكْرَانِ وَشِرَاؤُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، وَسَنُوَضِّحُهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ:
لَوِ اشْتَرَى الصَّبِيُّ شَيْئًا فَتَلِفَ فِي يَدِهِ، أَوْ أَتْلَفَهُ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَلَا بَعْدَ الْبُلُوغِ. وَكَذَا لَوِ اقْتَرَضَ مَالًا؛ لَأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الْمُضَيِّعُ بِالتَّسْلِيمِ إِلَيْهِ. وَمَا دَامَا بَاقِيَيْنِ، فَلِلْمَالِكِ الِاسْتِرْدَادُ. وَلَوْ سَلَّمَ ثَمَنَ مَا اشْتَرَاهُ، لَزِمَ الْوَلِيَّ اسْتِرْدَادُهُ، وَلَزِمَ الْبَائِعَ رَدُّهُ إِلَى الْوَلِيِّ. فَإِنْ رَدَّهُ إِلَى الصَّبِيِّ، لَمْ يَبْرَأْ مِنَ الضَّمَانِ. وَهَذَا كَمَا لَوْ سَلَّمَ الصَّبِيَّ دِرْهَمًا إِلَى صَرَّافٍ لِيَنْقُدَهُ، أَوْ سَلَّمَ مَتَاعًا إِلَى مُقَوِّمٍ لِيُقَوِّمَهُ، فَإِذَا أَخَذَهُ، لَمْ يَجُزْ رَدُّهُ إِلَى الصَّبِيِّ، بَلْ يَرُدُّهُ إِلَى وَلِيِّهِ إِنْ كَانَ الْمَالُ لِلصَّبِيِّ. وَإِنْ كَانَ لِكَامِلٍ، فَإِلَى الْمَالِكِ. فَلَوْ أَمَرَهُ الْوَلِيُّ بِدَفْعِهِ إِلَى الصَّبِيِّ، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ، سَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ إِنْ كَانَ الْمَالُ لِلْوَلِيِّ. وَإِنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ، فَلَا، كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِإِلْقَاءِ مَالِ الصَّبِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute