وَالْخَشَبَةِ، وَالْآجُرِّ، فَيَجُوزُ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّ جَوْهَرَهَا طَاهِرٌ. فَإِنِ اسْتَتَرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِالنَّجَاسَةِ الْوَارِدَةِ، خَرَجَ عَلَى بَيْعِ الْغَائِبِ. وَالثَّانِي: مَا لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ، كَالْخَلِّ، وَاللَّبَنِ، وَالدِّبْسِ، إِذَا تَنَجَّسَتْ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا. وَأَمَّا الدُّهْنُ، فَإِنْ كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ، كَوَدَكِ الْمَيْتَةِ، لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ بِحَالٍ. وَإِنْ نَجُسَ بِعَارِضٍ، فَهَلْ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا. فَعَلَى هَذَا، لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَالْبَوْلِ. وَالثَّانِي: يُمْكِنُ. فَعَلَى هَذَا، فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا يَصِحُّ، هَذَا تَرْتِيبُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: إِنْ قُلْنَا: يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ، جَازَ بَيْعُهُ، وَإِلَّا، فَوَجْهَانِ.
قُلْتُ: هَذَا التَّرْتِيبُ غَلَطٌ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جُزِمَ بِهِ فِي الْوَسِيطِ. وَكَيْفَ يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ؟ قَالَ الْمُتَوَلِّي: فِي بَيْعِ الصِّبْغِ النَّجِسِ طَرِيقَانِ.
أَحَدُهُمَا: كَالزَّيْتِ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ، وَإِنَّمَا يُصْبَغُ بِهِ الثَّوْبُ ثُمَّ يُغْسَلُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي بَيْعِ الْمَاءِ النَّجِسِ، وَجْهَانِ، كَالدُّهْنِ إِذَا قُلْنَا: يُمْكِنُ طَهَارَتُهُ؛ لِأَنَّ تَطْهِيرَ الْمَاءِ مُمْكِنٌ بِالْمُكَاثَرَةِ. وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْجَزْمِ بِالْمَنْعِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِتَطْهِيرٍ، بَلْ يَسْتَحِيلُ بِبُلُوغِهِ قُلَّتَيْنِ مِنْ صِفَةِ النَّجَاسَةِ إِلَى الطَّهَارَةِ، كَالْخَمْرِ تَتَخَلَّلُ. وَيَجُوزُ نَقْلُ الدُّهْنِ النَّجِسِ إِلَى الْغَيْرِ بِالْوَصِيَّةِ، كَالْكَلْبِ. وَأَمَّا هِبَتُهُ وَالصَّدَقَةُ بِهِ، فَعَنِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ: مَنْعُهُمَا. وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا مَا فِي هِبَةِ الْكَلْبِ مِنَ الْخِلَافِ.
قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ بِصِحَّةِ الصَّدَقَةِ بِهِ لِلِاسْتِصْبَاحِ وَنَحْوِهِ. وَقَدْ جَزَمَ الْمُتَوَلِّي، بِأَنَّهُ يَجُوزُ نَقْلُ الْيَدِ فِيهِ بِالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي «الْمُخْتَصَرِ» : لَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ إِلَّا لِصَيْدٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ، أَوْ زَرْعٍ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا، هَذَا نَصُّهُ. وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى جَوَازِ اقْتِنَائِهِ لِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَعَلَى اقْتِنَائِهِ لِتَعْلِيمِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute