إِحْدَاهَا: بَيْعُ الْآبِقِ وَالضَّالِّ بَاطِلٌ، عَرَفَ مَوْضِعَهُ، أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ فِي الْحَالِ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ. قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يُشْتَرَطُ فِي الْحُكْمِ بِالْبُطْلَانِ، الْيَأْسُ مِنَ التَّسْلِيمِ، بَلْ يَكْفِي ظُهُورُ التَّعَذُّرِ. وَأَحْسَنَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، فَقَالَ: إِذَا عَرَفَ مَوْضِعَهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَصِلُهُ إِذَا رَامَ وُصُولَهُ، فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْآبِقِ.
الثَّانِيَةُ: إِذَا بَاعَ الْمَالِكُ مَالَهُ الْمَغْصُوبَ، نَظَرَ، إِنْ قَدَرَ الْبَائِعُ عَلَى اسْتِرْدَادِهِ وَتَسَلُّمِهِ، صَحَّ الْبَيْعُ، كَمَا يَصِحُّ بَيْعُ الْوَدِيعَةِ. وَإِنْ عَجَزَ، نَظَرَ، إِنْ بَاعَهُ لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِهِ مِنَ الْغَاصِبِ، لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ بَاعَهُ مِنْ قَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ، صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. ثُمَّ إِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْحَالِ، فَلَا خِيَارَ لَهُ. لَكِنْ لَوْ عَجَزَ عَنِ انْتِزَاعِهِ لِضَعْفٍ عَرَضَ لَهُ أَوْ قُوَّةٍ عَرَضَتْ لِلْغَاصِبِ، فَلَهُ الْخِيَارُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا حَالَ الْعَقْدِ، فَلَهُ الْخِيَارُ. وَلَوْ بَاعَ الْآبِقَ مِمَّنْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ رَدُّهُ، فَفِيهِ الْوَجْهَانِ فِي الْمَغْصُوبِ. وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْآبِقَةِ وَالْمَغْصُوبَةِ، وَإِعْتَاقُهُمَا. قَالَ فِي «الْبَيَانِ» : لَا يَجُوزُ كِتَابَةُ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّمْكِينَ مِنَ التَّصَرُّفِ.
الثَّالِثَةُ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ، وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ. وَلَوْ بَاعَ السَّمَكَ فِي بِرْكَةٍ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً يُمْكِنُ أَخْذُهُ بِغَيْرِ تَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ، صَحَّ. وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إِلَّا بِتَعَبٍ شَدِيدٍ، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَحَيْثُ صَحَّحْنَا، فَهُوَ إِذَا لَمْ يَمْنَعِ الْمَاءُ رُؤْيَتَهُ، فَإِنْ مَنَعَهَا، فَعَلَى قَوْلَيْ بَيْعِ الْغَائِبِ إِنْ عَرَفَ قَدْرَهُ وَصِفَتَهُ، وَإِلَّا، فَلَا يَصِحُّ قَطْعًا. وَبَيْعُ الْحَمَامِ فِي الْبُرْجِ عَلَى تَفْصِيلِ بَيْعِ السَّمَكِ فِي الْبِرْكَةِ. وَلَوْ بَاعَهَا وَهِيَ طَائِرَةٌ اعْتِمَادًا عَلَى عَادَةِ عَوْدِهَا لَيْلًا، فَوَجْهَانِ كَمَا سَبَقَ فِي النَّحْلِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ: الصِّحَّةُ، كَالْعَبْدِ الْمَبْعُوثِ فِي شُغُلٍ. وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: الْمَنْعُ، إِذْ لَا وُثُوقَ بِعَوْدِهَا، لِعَدَمِ عَقْلِهَا.
قُلْتُ: وَلَوْ بَاعَ ثَلْجًا أَوْ جَمَدًا وَزْنًا، وَكَانَ يَنْمَاعُ إِلَى أَنْ يُوزَنَ، لَمْ يَصِحَّ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute