مِنْهُ الْإِجَارَةُ وَالرَّهْنُ وَالْهِبَةُ أَيْضًا. وَهَلْ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ؟ قَالَ فِي «التَّهْذِيبِ» : لَا. وَقَالَ فِي «التَّتِمَّةِ» : الْمَذْهَبُ جَوَازُهُ، تَغْلِيبًا لِلْعِتْقِ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ: الْجَوَازُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ، وَلِلْعَبْدِ الْأَعْمَى أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ، وَأَنْ يَقْبَلَ الْكِتَابَةَ عَلَى نَفْسِهِ لِعِلْمِهِ بِنَفْسِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ. وَإِذَا زَوَّجَ مُوَلِّيَتَهُ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْعَمَى غَيْرُ قَادِحٍ فِي الْوِلَايَةِ، وَالصَّدَاقَ عَيْنُ مَالٍ، لَمْ يَثْبُتِ الْمُسَمَّى، وَكَذَا لَوْ خَالَعَ الْأَعْمَى عَلَى مَالٍ. أَمَّا إِذَا أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ، أَوْ أَسْلَمَ إِلَيْهِ، فَيَنْظُرُ، إِنْ عَمِيَ بَعْدَ بُلُوغِهِ سِنَّ التَّمْيِيزِ، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ الْأَوْصَافَ، ثُمَّ يُوَكِّلُ مَنْ يَقْبِضُ عَنْهُ عَلَى الْوَصْفِ الْمَشْرُوطِ، وَلَا يَصِحُّ قَبْضُهُ بِنَفْسِهِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّ وَغَيْرِهِ. وَإِنْ خُلِقَ أَعْمَى، أَوْ عَمِيَ قَبْلَ التَّمْيِيزِ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْأَكْثَرِينَ مِنْ غَيْرِهِمْ: الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ بِالسَّمَاعِ. فَعَلَى هَذَا، إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَوْصُوفًا مُعَيَّنًا فِي الْمَجْلِسِ، فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا، فَهُوَ كَبَيْعِهِ الْعَيْنَ. ثُمَّ كُلُّ مَا لَا يَصِحُّ مِنَ الْأَعْمَى مِنَ التَّصَرُّفَاتِ، فَطَرِيقُهُ أَنْ يُوَكِّلَ، وَيُحْتَمَلُ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ.
قُلْتُ: لَوْ كَانَ الْأَعْمَى رَأَى شَيْئًا مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ، صَحَّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ إِيَّاهُ إِذَا صَحَّحْنَا ذَلِكَ مِنَ الْبَصِيرِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الرَّابِعَةُ: إِذَا لَمْ نُجَوِّزْ بَيْعَ الْغَائِبِ وَشِرَاءَهُ، فَعَلَيْهِ فُرُوعٌ.
أَحَدُهَا: لَوِ اشْتَرَى غَائِبًا رَآهُ قَبْلَ الْعَقْدِ، نَظَرَ، إِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا، كَالْأَرْضِ، وَالْأَوَانِي، وَالْحَدِيدِ، وَالنُّحَاسِ، وَنَحْوِهَا، أَوْ كَانَ لَا يَتَغَيَّرُ فِي الْمُدَّةِ الْمُتَخَلِّلَةِ بَيْنَ الرُّؤْيَةِ وَالشِّرَاءِ، صَحَّ الْعَقْدُ؛ لِحُصُولِ الْعِلْمِ الْمَقْصُودِ. وَقَالَ الْأَنْمَاطِيُّ: لَا يَصِحُّ، وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ. فَإِذَا صَحَّحْنَاهُ، فَوَجَدَهُ كَمَا رَآهُ أَوَّلًا، فَلَا خِيَارَ. وَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ، وَلَهُ الْخِيَارُ، وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute