وَتَكَلَّمُوا فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لِمَاذَا شَرَطَ أَنْ يَقُولَ: اسْتَأْمَرْتُهُ؟ قَالَ الَّذِينَ خَصُّوا الْخِيَارَ الْمَشْرُوطَ لِلْأَجْنَبِيِّ بِهِ: هَذَا جَوَابٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الَّذِي قُلْنَاهُ وَمُؤَيِّدٌ لَهُ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: إِنَّهُ مَذْكُورٌ احْتِيَاطًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ أَطْلَقَ فِي التَّصْوِيرِ شَرْطَ الْمُؤَامَرَةِ، فَهَلْ يُحْتَمَلُ ذَلِكَ؟ الصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ، وَاللَّفْظُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا قَيَّدَ الْمُؤَامَرَةَ بِالثَّلَاثِ فَمَا دُونَهَا. وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ الْإِطْلَاقُ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ، كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ. أَمَّا إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ هُوَ الْمُوَكَّلَ، فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُوَكَّلِ فَقَطْ، وَلِلْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ شَرْطُ الْخِيَارِ لِلْمُوَكَّلِ عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ.
وَطَرَّدَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ الْوَجْهَيْنِ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ أَيْضًا. وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ شَرْطُ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي، وَلَا لِلْوَكِيلِ فِي الشِّرَاءِ شَرْطُهُ لِلْبَائِعِ، فَإِنْ خَالَفَ بَطَلَ الْعَقْدُ. وَإِذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ، وَجَوَّزْنَاهُ، أَوْ أَذِنَ فِيهِ صَرِيحًا، ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ، وَلَا يَفْعَلُ إِلَّا مَا فِيهِ الْحَظُّ لِلْمُوَكَّلِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ الْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ، لَا يَلْزَمُهُ رِعَايَةُ الْحَظِّ، هَكَذَا ذَكَرُوهُ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَجْعَلَ شَرْطَ الْخِيَارِ لَهُ ائْتِمَانًا، وَهَذَا أَظْهَرُ إِذَا جَعَلْنَاهُ نَائِبًا عَنِ الْعَاقِدِ. ثُمَّ هَلْ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ الْخِيَارُ مَعَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِيمَا إِذَا شَرَطَ لِلْأَجْنَبِيِّ، هَلْ يَثْبُتُ لِلْعَاقِدِ؟ وَحَكَى الْإِمَامُ فِيمَا إِذَا أَطْلَقَ الْوَكِيلُ شَرْطَ الْخِيَارِ بِالْإِذْنِ الْمُطْلَقِ مِنَ الْمُوَكِّلِ، ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، أَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ أَوْ لِلْمُوَكَّلِ أَمْ لَهُمَا؟
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: لِلْوَكِيلِ. وَلَوْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ مَجْلِسَ الْعَقْدِ فَحَجَرَ عَلَى الْوَكِيلِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ، فَمَنَعَهُ الْفَسْخَ وَالْإِجَازَةَ، فَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ كَلَامًا مَعْنَاهُ: أَنَّ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ. أَحَدُهُمَا: يَجِبُ الِامْتِثَالُ، وَيَنْقَطِعُ خِيَارُ الْوَكِيلِ، قَالَ: وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ رُجُوعُ الْخِيَارِ إِلَى الْمُوَكِّلِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ. وَالثَّانِي: لَا يَمْتَثِلُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِ السَّبَبِ السَّابِقِ، وَهُوَ الْبَيْعُ، وَلَكِنَّهُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ شَأْنَ الْوَكَالَةِ الَّتِي مُقْتَضَاهَا امْتِثَالُ قَوْلِ الْمُوَكِّلِ، وَهَذَا الثَّانِي أَرْجَحُ، وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute