فَرْعٌ.
إِنْ عَلِمَ التَّصْرِيَةَ قَبْلَ الْحَلْبِ، رَدَّهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ بَاقِيًا، لَمْ يُكَلَّفِ الْمُشْتَرِي رَدَّهُ مَعَ الْمُصَرَّاةِ ; لِأَنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ مِلْكُهُ، وَقَدِ اخْتَلَطَ بِالْمَبِيعِ، وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ. وَإِذَا أَمْسَكَهُ كَانَ كَمَا لَوْ تَلَفَ. فَإِنْ أَرَادَ رَدَّهُ، فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ الْبَائِعُ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ بَدَلِهِ. وَأَصَحُّهُمَا: لَا، لِذَهَابِ طَرَاوَتِهِ. وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ حَمَضَ، لَمْ يُكَلَّفْ أَخْذَهُ. وَإِنْ كَانَ تَالِفًا، فَيَرُدُّ مَعَ الْمُصَرَّاةِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. وَهَلْ يَتَعَيَّنُ جِنْسُ التَّمْرِ وَقَدْرُ الصَّاعِ؟ أَمَّا الْجِنْسُ، فَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ التَّمْرُ. فَإِنْ أَعْوَزَ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: رَدَّ قِيمَتَهُ بِالْمَدِينَةِ. وَالثَّانِي: لَا يَتَعَيَّنُ. فَعَلَى هَذَا، وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: الْقَائِمُ مَقَامَهُ الْأَقْوَاتُ، كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يَتَعَدَّى هُنَا إِلَى الْأَقِطِّ. وَعَلَى هَذَا، وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَقْوَاتِ. وَأَصَحُّهُمَا: الِاعْتِبَارُ بِغَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَقُومُ مَقَامَهُ أَيْضًا غَيْرُ الْأَقْوَاتِ. حَتَّى لَوْ عَدَلَ إِلَى مِثْلِ اللَّبَنِ، أَوْ قِيمَتِهِ عِنْدَ إِعْوَازِ الْمِثْلِ، أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى الْقَبُولِ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ. وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ، فَأَمَّا لَوْ تَرَاضَيَا بِغَيْرِ التَّمْرِ مِنْ قُوتٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ عَلَى رَدِّ اللَّبَنِ الْمَحْلُوبِ عِنْدَ بَقَائِهِ، فَيَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، كَذَا قَالَهُ فِي «التَّهْذِيبِ» وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ كَجٍّ وَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ إِبْدَالِ التَّمْرِ بِالْبُرِّ إِذَا تَرَاضَيَا. وَأَمَّا الْقَدْرُ، فَوَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: الْوَاجِبُ صَاعٌ، قَلَّ اللَّبَنُ أَوْ كَثُرَ، لِلْحَدِيثِ. وَالثَّانِي: يَتَقَدَّرُ الْوَاجِبُ بِقِدْرِ اللَّبَنِ. وَعَلَى هَذَا فَقَدْ يَزِيدُ الْوَاجِبُ عَلَى الصَّاعِ، وَقَدْ يَنْقُصُ. ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ خَصَّ هَذَا الْوَجْهَ بِمَا إِذَا زَادَتْ قِيمَةُ الصَّاعِ عَلَى نِصْفِ قِيمَةِ الشَّاةِ، وَقَطَعَ بِوُجُوبِ الصَّاعِ إِذَا نَقَصَتْ عَنِ النِّصْفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَهُ. وَمَتَى قُلْنَا بِالثَّانِي، قَالَ الْإِمَامُ: تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ الْوَسَطُ لِلتَّمْرِ بِالْحِجَازِ، وَقِيمَةُ مِثْلِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ بِالْحِجَازِ. فَإِذَا كَانَ اللَّبَنُ عُشْرَ الشَّاةِ مَثَلًا، أَوْجَبْنَا مِنَ الصَّاعِ عُشْرَ قِيمَةِ الشَّاةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute