فَرْعٌ
كَمَا أَنَّ تَأْخِيرَ الرَّدِّ مَعَ الْإِمْكَانِ تَقْصِيرٌ، فَكَذَا الِاسْتِعْمَالُ وَالِانْتِفَاعُ وَالتَّصَرُّفُ، لِإِشْعَارِهَا بِالرِّضَا. فَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ رَقِيقًا، فَاسْتَخْدَمَهُ فِي مُدَّةِ طَلَبِ الْخَصْمِ أَوِ الْقَاضِي، بَطَلَ حَقُّهُ. وَإِنْ كَانَ بِشَيْءٍ خَفِيفٍ، كَقَوْلِهِ: اسْقِنِي أَوْ نَاوِلْنِي الثَّوْبَ أَوْ أَغْلِقِ الْبَابَ، فَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤْمَرُ بِهِ غَيْرُ الْمَمْلُوكِ، وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. وَالْأَصَحُّ الْأَشْهَرُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ.
قُلْتُ: قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ «التَّلْخِيصِ» : لَوْ جَاءَهُ الْعَبْدُ بِكُوزِ مَاءٍ، فَأَخَذَ الْكُوزَ، لَمْ يَضُرَّ لَأَنَّ وَضْعَ الْكُوزِ فِي يَدِهِ، كَوَضْعِهِ عَلَى الْأَرْضِ. فَإِنْ شَرِبَ وَرَدَّ الْكُوزَ إِلَيْهِ، فَهُوَ اسْتِعْمَالٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ لَا لِلرَّدِّ، بَطَلَ حَقُّهُ، وَإِنْ رَكِبَهَا لِلرَّدِّ أَوِ السَّقْيِ، فَوَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: الْبُطْلَانِ أَيْضًا، كَمَا لَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ لِلرَّدِّ، فَإِنْ كَانَتْ جَمُوحًا يَعْسُرُ سَوْقُهَا وَقَوْدُهَا، فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي الرُّكُوبِ. وَلَوْ رَكِبَهَا لِلِانْتِفَاعِ فَاطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ، لَمْ تَجُزِ اسْتِدَامَةُ الرُّكُوبِ وَإِنْ تَوَجَّهَ لِلرَّدِّ. وَإِنْ كَانَ لَابِسًا، فَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبِ الثَّوْبِ فِي الطَّرِيقِ فَتَوَجَّهَ لِلرَّدِّ وَلَمْ يَنْزِعْ، فَهُوَ مَعْذُورٌ ; لِأَنَّ نَزْعَ الثَّوْبِ فِي الطَّرِيقِ لَا يُعْتَادُ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ. وَلَوْ عَلَفَ الدَّابَّةَ أَوْ سَقَاهَا أَوْ حَلَبَهَا فِي الطَّرِيقِ، لَمْ يَضُرَّ. وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا سَرْجٌ أَوْ إِكَافٌ، فَتَرَكَهُ عَلَيْهَا، بَطَلَ حَقُّهُ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاحْتَاجَ إِلَى حَمْلٍ أَوْ تَحْمِيلٍ. وَيُعْذَرُ بِتَرْكِ الْعِذَارِ وَاللِّجَامِ؛ لِأَنَّهُمَا خَفِيفَانِ لَا يُعَدُّ تَعْلِيقُهُمَا عَلَى الدَّابَّةِ انْتِفَاعًا، وَلِأَنَّ الْقَوْدَ يَعْسُرُ دُونَهُمَا. وَلَوْ أَنْعَلَهَا فِي الطَّرِيقِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: إِنْ كَانَتْ تَمْشِي بِلَا نَعْلٍ بَطَلَ حَقُّهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ وَجْهًا فِي جَوَازِ الِانْتِفَاعِ فِي الطَّرِيقِ مُطْلَقًا، حَتَّى رَوَى عَنْ أَبِيهِ جَوَازَ وَطْءِ الْجَارِيَةِ الثَّيِّبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute