قُلْتُ: هَذَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسْأَلَةِ الْمَسْحِ عَلَى أَحَدِ الْخُفَّيْنِ فِي الْحَضَرِ، هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ (التَّهْذِيبِ) . لَكِنَّ الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ، مَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ (التَّتِمَّةِ) وَاخْتَارَهُ الشَّاشِيُّ: أَنَّهُ يَمْسَحُ مَسْحَ مُقِيمٍ، لِتَلَبُّسِهِ بِالْعِبَادَةِ فِي الْحَضَرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
أَمَّا إِذَا مَسَحَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَقَامَ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَأَكْثَرَ، فَقَدِ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ، وَيُجْزِئُهُ مَا مَضَى. وَإِنْ كَانَ قَبْلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، تَمَّمَهَا. وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: يَمْسَحُ ثُلْثَ مَا بَقِيَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ مُطْلَقًا. وَلَوْ شَكَّ الْمَاسِحُ فِي السَّفَرِ أَوِ الْحَضَرِ فِي انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ، وَجَبَ الْأَخْذُ بِانْقِضَائِهَا. وَلَوْ شَكَّ الْمُسَافِرُ هَلِ ابْتَدَأَ الْمَسْحَ فِي الْحَضَرِ، أَمِ السَّفَرِ؟ أَخَذَ بِالْحَضَرِ، فَيَقْتَصِرُ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَلَوْ مَسَحَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي شَاكًّا، وَصَلَّى بِهِ، ثُمَّ عَلِمَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أَنَّهُ كَانَ ابْتَدَأَ فِي السَّفَرِ، لَزِمَهُ إِعَادَةُ مَا صَلَّى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي. وَلَهُ الْمَسْحُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَإِنْ كَانَ مَسَحَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى الطَّهَارَةِ فَلَمْ يُحْدِثْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الثَّالِثِ بِذَلِكَ الْمَسْحِ، لِأَنَّهُ صَحِيحٌ. فَإِنْ كَانَ أَحْدَثَ فِي الثَّانِي، وَمَسَحَ شَاكًّا، وَبَقِيَ عَلَى تِلْكَ الطَّهَارَةِ، لَمْ يَصِحَّ مَسْحُهُ، فَيَجِبُ إِعَادَةُ الْمَسْحِ. وَفِي وُجُوبِ اسْتِئْنَافِ الْوُضُوءِ الْقَوْلَانِ فِي الْمُوَالَاةِ. وَقَالَ صَاحِبُ (الشَّامِلِ) يُجْزِئُهُ الْمَسْحُ مَعَ الشَّكِّ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.
الْغَايَةُ الثَّانِيَةُ: نَزْعُ الْخُفَّيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةِ مَسْحٍ، لَزِمَهُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ، وَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَاخْتُلِفَ فِي أَصْلِ الْقَوْلَيْنِ، فَقِيلَ: بِنَفْسَيْهِمَا، وَقِيلَ: مَبْنِيَّانِ عَلَى تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ، وَضَعَّفَهُ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: عَلَى أَنَّ بَعْضَ الطَّهَارَةِ هَلْ يَخْتَصُّ بِالِانْتِقَاضِ، أَمْ يَلْزَمُهُ مِنَ انْتِقَاضِ بَعْضِهَا انْتِقَاضُ جَمِيعِهَا؟ وَقِيلَ: مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنِ الرِّجْلِ، أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَرْفَعُ، اقْتَصَرَ عَلَى غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَإِلَّا اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنِ الرِّجْلِ، كَمَسْحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute