فَرْعٌ
قَالَ صَاحِبُ «التَّتِمَّةِ» : فِي جَوَازِ مُعَامَلَةِ مَنْ لَا يُعْرَفُ رِقُّهُ وَحُرِّيَّتُهُ، قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الْجَوَازُ. لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالْغَالِبَ الْحُرِّيَّةُ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَجْرِ. وَقَطَعَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِالْجَوَازِ. وَمَنْ عَرَفَ رِقَّهُ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُعَامِلَهُ حَتَّى يَعْرِفَ إِذْنَ السَّيِّدِ. وَلَا يَكْفِي قَوْلُ الْعَبْدِ: أَنَا مَأْذُونٌ، كَمَا لَوْ زَعَمَ الرَّاهِنُ إِذْنَ الْمُرْتَهِنِ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ، وَإِنَّمَا يُعَرَفُ كَوْنُهُ مَأْذُونًا بِسَمَاعِ الْإِذْنِ مِنَ السَّيِّدِ، أَوْ بِبَيِّنَةٍ. فَإِنْ شَاعَ فِي النَّاسِ كَوْنُهُ مَأْذُونًا، كَفَى عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِذَا عَلِمَ كَوْنَهُ مَأْذُونًا، فَقَالَ: حَجَرَ عَلَيَّ السَّيِّدُ، لَمْ تَجُزْ مُعَامَلَتُهُ. فَإِنْ قَالَ السَّيِّدُ: لَمْ أَحْجُرْ عَلَيْهِ، فَوَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: لَا يُعَامَلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ، وَهُوَ يَقُولُ: الْعَقْدُ بَاطِلٌ. وَلَوْ عَامَلَ الْمَأْذُونَ مَنْ يَعْلَمُ رِقَّهُ، وَلَمْ يَعْلَمِ الْإِذْنَ، فَبَانَ مَأْذُونًا، قَالَ الْأَئِمَّةُ: هُوَ كَمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ فَبَانَ مَيِّتًا، وَمِثْلُهُ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْحَلِيمِيُّ فِيمَا إِذَا ادَّعَى الْوَكَالَةَ فَكَذَّبَهُ، فَعَامَلَهُ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ وَكِيلٌ.
قُلْتُ: وَلَوْ بَاعَ مَالًا يَظُنُّهُ لِنَفْسِهِ، فَبَانَ مَالَ أَبِيهِ وَكَانَ مَيِّتًا حَالَ الْعَقْدَ، صَحَّ بِلَا خِلَافٍ، كَذَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ شَيْخِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
لَوْ عَلِمَ كَوْنَهُ مَأْذُونًا فَعَامَلَهُ، ثُمَّ امْتَنَعَ مِنَ التَّسْلِيمِ إِلَيْهِ حَتَّى يُشْهِدَ عَلَى الْإِذْنِ، فَلَهُ ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ إِنْكَارِ السَّيِّدِ، كَمَا لَوْ صَدَّقَ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ بِقَبْضِ الْحَقِّ، ثُمَّ امْتَنَعَ مِنَ التَّسْلِيمِ حَتَّى يَشْهَدَ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكَالَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute