فَرْعٌ
يَجْرِي التَّحَالُفُ فِي جَمِيعِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ، كَالسَّلَمِ، وَالْإِجَارَةِ وَالْقِرَاضِ، وَالْمُسَاقَاةِ، وَالْجَعَالَةِ، وَالصُّلْحِ عَنِ الدَّمِ، وَالْكِتَابَةِ. ثُمَّ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ يُفْسَخُ الْعَقْدُ بَعْدَ التَّحَالُفِ، أَوْ يَنْفَسِخُ وَيَتَرَادَّانِ، كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي الصُّلْحِ عَنِ الدَّمِ، لَا يَعُودُ اسْتِحْقَاقُهُ، بَلْ أَثَرُ التَّحَالُفِ الرُّجُوعُ إِلَى الدِّيَةِ، وَكَذَا لَا يَرْجِعُ الْبِضْعُ، بَلْ فِي النِّكَاحِ تَرْجِعُ الْمَرْأَةُ إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ. وَفِي الْخُلْعِ يَرْجِعُ إِلَيْهِ الزَّوْجُ.
قَالَ الْإِمَامُ: إِنْ قِيلَ: أَيُّ مَعْنَى لِلتَّحَالُفِ فِي الْقِرَاضِ، مَعَ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ فَسْخَهُ بِكُلِّ حَالٍ، وَقَدْ مَنَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ التَّحَالُفَ فِي الْبَيْعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، لِإِمْكَانِ الْفَسْخِ بِالْخِيَارِ؟
فَالْجَوَابُ: أَنَّ التَّحَالُفَ مَا وُضِعَ لِلْفَسْخِ، بَلْ عُرِضَتِ الْأَيْمَانُ رَجَاءَ أَنْ يَنْكِلَ الْكَاذِبُ، فَيُقَرَّرُ الْعَقْدُ بِيَمِينِ الصَّادِقِ. فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ وَأَصَرَّا، فُسِخَ الْعَقْدُ لِلضَّرُورَةِ. وَنَازَعَ الْقَاضِيَ فِيمَا ذَكَرَهُ، ثُمَّ مَالَ إِلَى مُوَافَقَتِهِ، وَرَأَى فِي الْقِرَاضِ أَنْ يُفَصَّلَ فَيُقَالَ: التَّحَالُفُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ لَا مَعْنًى لَهُ، وَبَعْدَهُ يَؤُولُ النِّزَاعُ إِلَى مَقْصُودٍ مِنْ رِبْحٍ أَوْ أُجْرَةِ مِثْلٍ، فَيَتَحَالَفَانِ وَالْجِعَالَةُ كَالْقِرَاضِ.
لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ، فَقَالَ: بَلْ وَهَبْتَنِيهِ، فَلَا تَحَالُفَ إِذَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى عَقْدٍ، بَلْ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى نَفْيِ مَا يُدَّعَى عَلَيْهِ. فَإِذَا حَلَفَا، لَزِمَ مُدَّعِيَ الْهِبَةِ رَدُّهُ بِزَوَائِدِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَفِي قَوْلٍ: الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْهِبَةِ. وَشَذَّ صَاحِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute