قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْقَدْرِ وَالْقِيمَةِ. فَلَوْ عَلِمَا ثُمَّ تَفَرَّقَا، صَحَّ بِلَا خِلَافٍ. وَبَنَى كَثِيرٌ مِنَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ رَأْسُ الْمَالِ مَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَالْجَوْهَرَةِ؟ إِنْ قُلْنَا: بِالْأَظْهَرِ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَيْسَ هُوَ عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ، بَلِ الْجَوْهَرَةُ الْمُثَمَّنَةُ إِذَا عَرَفَا قِيمَتَهَا وَبَالَغَا فِي وَصْفِهَا، وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ جَعْلُهَا رَأْسَ مَالٍ؛ لِأَنَّ مَنْعَ السَّلَمِ فِيهِ سَبَبُهُ عِزَّةُ الْمَوْجُودِ، وَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ عُمُومِ الْوُجُودِ فِي رَأْسِ الْمَالِ. وَإِذَا جَوَّزْنَا السَّلَمَ وَرَأْسُ الْمَالِ جُزَافٌ، وَاتَّفَقَ فَسْخٌ، وَتَنَازَعَا فِي قَدْرِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ.
قُلْتُ: إِذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، حُمِلَ عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ. فَلَوِ اسْتَوَتْ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يُبَيَّنَ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ دَيْنًا، فَلَوِ اسْتَعْمَلَ لَفْظَ السَّلَمِ فِي الْعَيْنِ فَقَالَ: أَسْلَمْتُ إِلَيْكَ هَذَا الثَّوْبَ فِي هَذَا الْعَبْدِ، فَلَيْسَ هَذَا سَلَمًا. وَفِي انْعِقَادِهِ بَيْعًا قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: لَا لِاخْتِلَالِ لَفْظِهِ. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَهُ بِلَا ثَمَنٍ، أَوْ لَا ثَمَنَ لِي عَلَيْكَ، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ، وَقَبَضَهُ، فَهَلْ يَكُونُ هِبَةً؟ فِيهِ مِثْلُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، وَهَلْ يَكُونُ الْمَقْبُولُ مَضْمُونًا؟ وَجْهَانِ. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلثَّمَنِ أَصْلًا لَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالْمَقْبُوضُ مَضْمُونٌ. وَقِيلَ: فِيهِ الْوَجْهَانِ. وَلَوْ أَسْلَمَ بِلَفْظِ الشِّرَاءِ، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ طَعَامًا أَوْ ثَوْبًا صِفَتُهُ كَذَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، فَقَالَ: بِعْتُكَ انْعَقَدَ. وَهَلْ هُوَ سَلَمٌ اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى، أَمْ بَيْعٌ اعْتِبَارًا بِلَفْظِهِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي. فَعَلَى هَذَا، لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الدَّرَاهِمِ فِي الْمَجْلِسِ، وَيَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ. وَفِي جَوَازِ الِاعْتِيَاضِ عَنِ الثَّوْبِ قَوْلَانِ، كَمَا فِي الثَّمَنِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالْمَنْعِ. وَإِنْ قُلْنَا: الِاعْتِبَارُ بِالْمَعْنَى، وَجَبَ تَسْلِيمُ الدَّرَاهِمِ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ، وَلَمْ يَجُزِ الِاعْتِيَاضُ عَنِ الثَّوْبِ. وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute