للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهَلْ يَلْحَقُ بِهَذِهِ الْأَعْذَارِ خَوْفُهُ مِنَ انْقِطَاعِ الْجِنْسِ قَبْلَ الْحُلُولِ؟ وَجْهَانِ. الْأَصَحُّ: يَلْحَقُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُؤَدِّي غَرَضٌ سِوَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، فَقَوْلَانِ، أَصَحُّهُمَا: يُجْبَرُ، وَإِنْ تَقَابَلَ غَرَضَاهُمَا، فَالْمَرْعِيُّ جَانِبُ الْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ بِطَرْدِ الْقَوْلَيْنِ، وَعَكَسَ الْغَزَالِيُّ هَذَا التَّرْتِيبَ، وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ. وَحُكْمُ سَائِرِ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا حُكْمُ الْمُسْلَمِ فِيهِ.

وَأَمَّا إِذَا كَانَ السَّلَمُ حَالًّا، فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ فِي الْحَالِ. فَلَوْ أَتَى بِهِ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ، فَامْتَنَعَ مِنْ قَبْضِهِ، فَإِنْ كَانَ لِلدَّافِعِ غَرَضٌ سِوَى الْبَرَاءَةِ، أُجْبِرَ عَلَى الْقَبُولِ، وَإِلَّا، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ أَوِ الْإِبْرَاءِ. وَقِيلَ: عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَحَيْثُ ثَبَتَ الْإِجْبَارُ، فَلَوْ أَصَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ، أَخْذَهُ الْحَاكِمُ لَهُ. وَأَمَّا مَكَانُهُ: فَإِذَا قُلْنَا: يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ لِلتَّسْلِيمِ، أَوْ قُلْنَا: لَا يَتَعَيَّنُ فَعَيَّنَاهُ، وَجَبَ التَّسْلِيمُ فِيهِ. فَلَوْ وَجَدَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَإِنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ لَمْ يُطَالِبْ بِهِ. وَهَلْ يُطَالِبُ بِالْقِيمَةِ لِلْحَيْلُولَةِ؟ وَجْهَانِ. الصَّحِيحُ: لَا؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَبِهَذَا قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ، فَعَلَى هَذَا، لِلْمُسْلِمِ الْفَسْخُ وَاسْتِرْدَادُ رَأْسِ الْمَالِ، كَمَا لَوِ انْقَطَعَ الْمُسْلَمُ فِيهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِهِ، وَأَشَارَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ إِلَى الْخِلَافِ فِيهِ. وَلَوْ ظَفَرَ الْمَالِكُ بِالْغَاصِبِ فِي غَيْرِ مَكَانِ الْغَصْبِ أَوِ الْإِتْلَافِ، فَهَلْ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ؟ فِيهِ خِلَافٌ، الْأَصَحُّ: لَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ إِلَّا بِالْقِيمَةِ. وَلَوْ أَتَى الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ فِي غَيْرِ مَكَانِ التَّسْلِيمِ، فَامْتَنَعَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ أَخْذِهِ، فَإِنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ، أَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ مُخَوِّفًا لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي التَّعْجِيلِ قَبْلَ الْمَحَلِّ. فَلَوْ رَضِيَ، وَأَخَذَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ مُؤْنَةَ النَّقْلِ.

قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: إِجْبَارُهُ. وَلَوِ اتَّفَقَ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى صِفَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، فَأَحْضَرَهُ، فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ. أَصَحُّهُمَا: يَجِبُ قَبُولُهُ. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>