فَرْعٌ
الْجَانِي إِنْ لَمْ نُصَحِّحْ بَيْعَهُ، فَرَهْنُهُ أَوْلَى، وَإِلَّا، فَقَوْلَانِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الطَّارِئَةَ، يُقَدَّمُ صَاحِبُهَا عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، فَالْمُتَقَدِّمَةُ أَوْلَى. فَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْ رَهْنَهُ، فَفَدَاهُ السَّيِّدُ، أَوْ أَسْقَطَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حَقَّهُ، فَلَا بُدَّ مِنَ اسْتِئْنَافِ رَهْنٍ. وَإِنْ صَحَّحْنَاهُ، فَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ وَالْإِمَامُ: يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ، وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: لَا يَلْزَمُهُ الْفِدَاءُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْجِنَايَةِ بَاقٍ هُنَا، وَالْجِنَايَةُ لَا تُنَافِي الرَّهْنَ.
قُلْتُ: قَالَ الْبَغَوِيُّ أَيْضًا: يَكُونُ مُلْتَزِمًا لِلْفِدَاءِ. وَلَكِنِ الْأَكْثَرُونَ قَالُوا كَقَوْلِ ابْنِ الصَّبَّاغِ مِنْهُمُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ. قَالُوا: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فِدَائِهِ وَتَسْلِيمِهِ لِلْبَيْعِ فِي الْجِنَايَةِ. فَإِنْ فَدَاهُ، بَقِيَ الرَّهْنُ، وَإِلَّا بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ، وَبَطَلَ الرَّهْنُ إِنِ اسْتَغْرَقَهُ الْأَرْشُ، وَإِلَّا بِيعَ بِقَدْرِهِ، وَاسْتَقَرَّ الرَّهْنُ فِي الْبَاقِي. وَإِذَا قُلْنَا: لَا يَصِحُّ رَهْنُ الْجَانِي، فَسَوَاءٌ كَانَ الْأَرْشُ دِرْهَمًا، وَالْعَبْدُ يُسَاوِي الْوَفَاءَ، أَمْ غَيْرَ ذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَصْحَابُ. وَأَمَّا إِثْبَاتُ الْخِيَارِ لِلْمُرْتَهَنِ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ رَهْنُهُ، فَفِيهِ تَفْصِيلٌ فِي «الْحَاوِي» وَغَيْرِهِ. إِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ، فَلَا خِيَارَ فِي الْحَالِ. فَإِنِ اقْتُصَّ مِنْهُ فِي طَرَفِهِ، بَقِيَ رَهْنًا، وَلَا خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الْبَيْعِ، لِعِلْمِهِ بِالْعَيْبِ. وَإِنْ قُتِلَ قِصَاصًا، فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، فَلَهُ الْخِيَارُ كَمَا لَوْ بَانَ مُسْتَحِقًّا، وَإِنْ قُلْنَا: مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، فَلَا خِيَارَ؛ لِأَنَّهُ مَعِيبٌ عُلِمَ بِهِ، وَإِنْ عَفَا مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ عَلَى مَالِهِ، فَإِنْ فَدَاهُ، بَقِيَ رَهْنًا، وَلَا خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ بِيعَ لِلْجِنَايَةِ، بَطَلَ الرَّهْنُ. وَفِي الْخِيَارِ وَجْهَانِ. وَإِنْ عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ، سَقَطَ أَثَرُ الْجِنَايَةِ. أَمَّا إِذَا كَانَ جَاهِلًا بِالْجِنَايَةِ، فَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ حُكْمِهَا، يُخَيَّرُ. فَإِنْ فَسَخَ، وَإِلَّا فَيَصِيرُ عَالِمًا، وَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إِلَّا بَعْدَ اسْتِقْرَارِ حُكْمِهَا عَلَى قِصَاصِ طَرَفٍ لَمْ يَبْطُلِ الرَّهْنُ بِالْقِصَاصِ، لَكِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute