فَرْعٌ
أَوْدَعَ عِنْدَ رَجُلٍ مَالًا، ثُمَّ رَهَنَهُ عِنْدَهُ، فَظَاهِرُ نَصِّهِ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِذْنٍ جَدِيدٍ فِي الْقَبْضِ، وَلَوْ وَهَبَهُ لَهُ، فَظَاهِرُ نَصِّهِ: حُصُولُ الْقَبْضِ بِلَا إِذْنٍ فِي الْقَبْضِ، وَلِلْأَصْحَابِ طُرُقٌ. أَصَحُّهَا: فِيهِمَا قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا: اشْتِرَاطُ الْإِذْنِ فِيهِمَا. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَوْثِيقٌ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِغَيْرِ الْقَبْضِ، وَالْهِبَةُ تَمْلِيكٌ، وَمَقْصُودُهُ الِانْتِفَاعُ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إِلَّا بِالْقَبْضِ، فَكَانَتِ الْهِبَةُ لِمَنْ فِي يَدِهِ رِضًا بِالْقَبْضِ. وَالثَّالِثُ بِاعْتِبَارِ الْإِذْنِ فِيهِمَا، قَالَهُ ابْنُ خَيْرَانَ. وَسَوَاءٌ شَرَطَ الْإِذْنَ الْجَدِيدَ، أَمْ لَا، فَلَا يَلْزَمُ الْعَقْدُ مَا لَمْ يَمْضِ زَمَانٌ يَتَأَتَّى فِيهِ صُورَةُ الْقَبْضِ. لَكِنْ إِذَا شَرَطَ الْإِذْنَ، فَهَذَا الزَّمَانُ يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْإِذْنِ. وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ، فَمِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ. وَقَالَ حَرْمَلَةُ: لَا حَاجَةَ إِلَى مُضِيِّ هَذَا الزَّمَانِ، وَيَلْزَمُ الْعَقْدُ بِنَفْسِهِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.
قُلْتُ: قَوْلُهُ: قَالَ حَرْمَلَةُ مَعْنَاهُ: قَالَ حَرْمَلَةُ مَذْهَبًا لِنَفْسِهِ، لَا نَقْلًا عَنِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَذَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ. وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى هَذَا، لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِعِبَارَةِ صَاحِبِ «الْمُهَذَّبِ» فَإِنَّهَا صَرِيحَةٌ، أَوْ كَالصَّرِيحَةِ، فِي أَنَّ حَرْمَلَةَ نَقَلَهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَحَصَلَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ وَجْهَيْنِ، لَا قَوْلَيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَعَلَى الصَّحِيحِ، إِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ مَنْقُولًا غَائِبًا، اعْتُبِرَ زَمَانٌ يُمْكِنُ الْمَصِيرُ فِيهِ إِلَيْهِ وَنَقْلُهُ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ نَفْسُ الْمَصِيرِ وَمُشَاهَدَتُهُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهُمَا: لَا. وَالثَّانِي: نَعَمْ. وَالثَّالِثُ: إِنْ كَانَ مِمَّا يُشَكُّ فِي بَقَائِهِ، كَالْحَيَوَانِ، فَإِنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلْآفَاتِ، اشْتُرِطَ. وَإِنْ تَيَقَّنَ بَقَاؤُهُ، فَلَا، فَإِنْ شَرَطْنَا الْحُضُورَ وَالْمُشَاهَدَةَ، فَالْمَذْهَبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute