للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْإِمَامُ، أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِبُلُوغِهِ بِأَحَدِهِمَا، كَمَا يُحْكَمُ بِذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَتِهِ. إِنْ ظَهَرَ خِلَافُهُ، غَيَّرْنَا الْحُكْمَ.

قُلْتُ: قَالَ صَاحِبُ «التَّتِمَّةِ» إِذَا أَنْزَلَ الْخُنْثَى مِنْ ذَكَرِهِ أَوْ خَرَجَ الدَّمُ مِنْ فَرْجِهِ مَرَّةً، لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهِ. فَإِنْ تَكَرَّرَ، حُكِمَ بِهِ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ وَإِنْ كَانَ غَرِيبًا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

فَرْعٌ

وَأَمَّا الرُّشْدُ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هُوَ إِصْلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ، وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاحِ فِي الدِّينِ: أَنْ لَا يَرْتَكِبَ مُحَرَّمًا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ، وَفِي الْمَالِ: أَنْ لَا يُبَذِّرَ. فَمِنَ التَّبْذِيرِ تَضْيِيعُ الْمَالِ بِإِلْقَائِهِ فِي الْبَحْرِ، أَوِ احْتِمَالِ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَنَحْوِهَا، وَكَذَا الْإِنْفَاقُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ. وَأَمَّا الصَّرْفُ فِي الْأَطْعِمَةِ النَّفِيسَةِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِحَالِهِ، فَقَالَ الْإِمَامُ، وَالْغَزَّالِيُّ: هُوَ تَبْذِيرٌ. وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ يُتَّخَذُ لِيُنْتَفَعَ فِيهِ وَيُلْتَذَّ. وَكَذَا الْقَوْلُ فِي التَّجَمُّلِ بِالثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ، وَالْإِكْثَارِ مِنْ شِرَاءِ الْجَوَارِي، وَالِاسْتِمْتَاعِ بِهِنَّ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَأَمَّا الصَّرْفُ إِلَى وُجُوهِ الْخَيْرِ، كَالصَّدَقَاتِ، وَفَكِّ الرِّقَابِ، وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ، وَشِبْهِ ذَلِكَ، فَلَيْسَ بِتَبْذِيرٍ، فَلَا سَرَفَ فِي الْخَيْرِ، كَمَا لَا خَيْرَ فِي السَّرَفِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: إِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَهُوَ مُفْرِطٌ بِالْإِنْفَاقِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ، فَهُوَ مُبَذِّرٌ. وَإِنْ عَرَضَ ذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِهِ مُقْتَصِدًا، لَمْ يَصِرْ مُبَذِّرًا، وَالْمَعْرُوفُ لِلْأَصْحَابِ مَا سَبَقَ. وَبِالْجُمْلَةِ التَّبْذِيرُ عَلَى مَا نَقَلَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ مَحْصُورٌ فِي التَّضْيِيعَاتِ وَصَرْفِهِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>