الشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ وَجْهٌ، أَنَّهُ يَصِحُّ تَخْرِيجًا مِنَ الْعَبْدِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَإِذَا بَاعَ وَأَقْبَضَ، اسْتَرَدَّ مِنَ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ، ضَمِنَ. وَلَوِ اشْتَرَى وَقَبَضَ، أَوِ اسْتَقْرَضَ فَتَلِفَ الْمَأْخُوذُ فِي يَدِهِ، أَوْ أَتْلَفَهُ، فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّ الَّذِي أَقْبَضَهُ هُوَ الْمُضَيِّعُ، وَيَسْتَرِدُّ وَلِيُّهُ الثَّمَنَ إِنْ كَانَ أَقْبَضَهُ. وَسَوَاءٌ كَانَ مَنْ عَامَلَهُ عَالِمًا بِحَالِهِ، أَمْ جَاهِلًا لِتَقْصِيرِهِ بِالْبَحْثِ عَنْ حَالِهِ. وَلَا يَجِبُ عَلَى السَّفِيهِ أَيْضًا الضَّمَانُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّهُ حَجْرٌ ضُرِبَ لِمَصْلَحَتِهِ فَأَشْبَهَ الصَّبِيَّ، لَكِنَّ الصَّبِيَّ لَا يَأْثَمُ، وَالسَّفِيهُ يَأْثَمُ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ. وَفِي وَجْهٍ، يَضْمَنُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ إِنْ كَانَ أَتْلَفَهُ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ شَاذٌّ.
قُلْتُ: هَذَا إِذَا أَقْبَضَهُ الْبَائِعُ الرَّشِيدُ. فَأَمَّا إِذَا أَقْبَضَهُ السَّفِيهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْبَائِعِ، أَوْ أَقْبَضَهُ الْبَائِعُ، وَهُوَ صَبِيٌّ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالْقَبْضِ قَطْعًا، صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَفِقْهُهُ ظَاهِرٌ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
هَذَا كُلُّهُ إِذَا اسْتَقَلَّ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ، فَأَمَّا إِذَا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ، فَإِنْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ، فَهُوَ لَغْوٌ وَإِنْ عَيَّنَ تَصَرُّفًا وَقَدَّرَ الْعِوَضِ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْغَزَّالِيِّ: الصِّحَّةُ، كَمَا لَوْ أَذِنَ فِي النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَدْ أَشَارَ إِلَى طَرْدِ الْخِلَافِ فِيهِ. وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْبَغْوِيِّ: لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ أُذِنَ لِلصَّبِيِّ.
قُلْتُ: هَذَا الثَّانِي أَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْهُمُ الْجُرْجَانِيُّ، وَالرَّافِعِيُّ فِي «الْمُحَرِّرِ» وَجَزَمَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ وَكَّلَهُ رَجُلٌ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ، هَلْ يَصِحُّ عَقْدُهُ لِلْمُوكَّلِ، وَفِيمَا لَوِ اتُّهِبَ أَوْ قَبِلَ الْوَصِيَّةِ لِنَفْسِهِ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ: صِحَّةُ إِتِّهَابِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُرْجَانِيُّ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute