ثُمَّ حَكَى عَنْ شَيْخِهِ، مَا يَقْتَضِي صُورَةً ثَالِثَةً، وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ مَوْضِعٌ مِنَ الْمَوَاتِ جَادَّةً يَسْتَطْرِقُهَا الرِّفَاقُ، فَلَا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ. وَإِنَّهُ كَانَ يَتَرَدَّدُ فِي بِنْيَاتِ الطُّرُقِ الَّتِي يَعْرِفُهَا الْخَوَاصُّ وَيَسْلُكُونَهَا. وَكُلُّ مَوَاتٍ يَجُوزُ اسْتِطْرَاقُهُ، لَكِنْ لَا يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ إِحْيَائِهِ وَصَرْفِ الْمَمَرِّ عَنْهُ، بِخِلَافِ الشَّوَارِعِ.
قُلْتُ: قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا حَاجَةَ إِلَى لَفْظٍ فِي مَصِيرِ مَا يُجْعَلُ شَارِعًا. قَالَ: وَإِذَا وَجَدْنَا جَادَّةً مُسْتَطْرَقَةً، وَمَسْلَكًا مَشْرُوعًا نَافِذًا، حَكَمْنَا بِاسْتِحْقَاقِ الِاسْتِطْرَاقِ فِيهِ بِظَاهِرِ الْحَالِ، وَلَمْ نَلْتَفِتْ إِلَى مَبْدَإِ مَصِيرِهِ شَارِعًا. وَأَمَّا قَدْرُ الطَّرِيقِ، فَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لِضَبْطِهِ، وَهُوَ مُهِمٌّ جِدًّا، وَحُكْمُهُ، أَنَّهُ إِنْ كَانَ الطَّرِيقُ مِنْ أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ يُسَبِّلُهَا صَاحِبُهَا، فَهُوَ إِلَى خَيْرَتِهِ، وَالْأَفْضَلُ تَوْسِيعُهَا. وَإِنْ كَانَ بَيْنَ أَرَاضٍ يُرِيدُ أَصْحَابُهَا إِحْيَاءَهَا، فَإِنِ اتَّفَقُوا عَلَى شَيْءٍ، فَذَاكَ. وَإِنِ اخْتَلَفُوا، فَقَدْرُهُ سَبْعُ أَذْرُعٍ، وَهَذَا مَعْنَى مَا ثَبَتَ فِي «صَحِيحَيِ» الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الطَّرِيقِ، أَنْ يُجْعَلَ عَرْضُهُ سَبْعَ أَذْرُعٍ. وَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا، لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنْ قَلَّ، يَجُوزُ عِمَارَةُ مَا حَوْلَهُ مِنَ الْمَوَاتِ، وَيَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ. وَمِنَ الْمُهِمَّاتِ الْمُسْتَفَادَةِ، أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ يُمْنَعُونَ مِنْ إِخْرَاجِ الْأَجْنِحَةِ إِلَى شَوَارِعِ الْمُسْلِمِينَ النَّافِذَةِ. وَإِنْ جَازَ لَهُمُ اسْتِطْرَاقُهَا؛ لِأَنَّهُ كَإِعْلَائِهِمُ الْبِنَاءَ عَلَى بِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ أَبْلَغُ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَذَكَرَ الشَّاشِيُّ فِي جَوَازِهِ وَجْهَيْنِ. وَمَنْ أَخْرَجَ جَنَاحًا عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ، هُدِمَ عَلَيْهِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
الْقِسْمُ الثَّانِي: الطَّرِيقُ الَّذِي لَا يُنْفِذُ، كَالسِّكَّةِ الْمَسْدُودَةِ الْأَسْفَلِ، وَالْكَلَامُ فِيهَا فِي ثَلَاثَةِ أُمُورٍ:
الْأَوَّلُ: إِشْرَاعُ الْجَنَاحِ، فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ أَهْلِ السِّكَّةِ بِلَا خِلَافٍ، وَلَا لَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute