للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْبَابُ الثَّانِي فِي الْإِقْرَارِ بِالْمُجْمَلِ

يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالْمُجْمَلِ، وَهُوَ الْمَجْهُولُ لِلْحَاجَةِ. وَسَوَاءٌ أَقَرَّ بِهِ ابْتِدَاءً، أَوْ جَوَابًا عَنْ دَعْوَى مَعْلُومَةٍ، بِأَنْ قَالَ: لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ، فَقَالَ: لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ. وَالْأَلْفَاظُ الَّتِي تَقَعُ فِيهَا الْجَهَالَةُ لَا تَنْحَصِرُ. وَبَيَّنَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ، لِيُعْرَفَ وَيُقَاسَ عَلَيهِ غَيْرُهُ، وَأَلْفَاظُ الْبَابِ سَبْعَةُ أَضْرُبٍ.

الضَّرْبُ الْأَوَّلُ: شَيْءٌ. فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ، طَلَبْنَا تَفْسِيرَهُ. فَإِنْ فَسَّرَهُ بِمَا يُتَمَوَّلُ، قُبِلَ، كَثُرَ أَمْ قَلَّ، كَرَغِيفٍ، وَفِلْسٍ، وَتَمْرَةٍ حَيْثُ يَكُونُ لَهَا قِيمَةٌ. وَإِنْ فَسَّرَهُ بِمَا لَا يُتَمَوَّلُ، لَكِنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يُتَمَوَّلُ، كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ قُمْعِ بَاذِنْجَانَةٍ، فَوَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ، كَمَا لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى بِهِ. وَأَصَحُّهُمَا: الْقَبُولُ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ يَحْرُمُ أَخْذُهُ، وَيَجِبُ عَلَى آخِذِهِ رَدُّهُ، وَقَوْلُهُمْ: لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى بِهِ، مَمْنُوعٌ. وَالتَّمْرَةُ أَوِ الزَّبِيبَةُ حَيْثُ لَا قِيمَةَ لَهَا، عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَطْعًا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ مَا يُتَمَوَّلُ، فَإِمَّا أَنْ يَجُوزَ اقْتِنَاؤُهُ لِمَنْفَعَتِهِ، وَإِمَّا لَا. فَالْأَوَّلُ: كَالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ، وَالسَّرْجَيْنِ، وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ الْقَابِلِ لِلدِّبَاغِ، وَالْكَلْبِ الْقَابِلِ لِلتَّعْلِيمِ، وَالْخَمْرِ الْمُحْتَرَمَةِ، فَيُقْبَلُ التَّفْسِيرُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَكَالْخِنْزِيرِ، وَجِلْدِ الْكَلْبِ، وَالْكَلْبِ الَّذِي لَا نَفْعَ فِيهِ، وَالْخَمْرِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ، فَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ فَسَّرَهُ بِوَدِيعَةٍ، قُبِلَ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ عَلَيهِ رَدَّهَا عِنْدَ الطَّلَبِ، وَقَدْ يَتَعَدَّى فَتَصِيرُ مَضْمُونَةً، وَقِيلَ: لَا، لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>