لَمْ تَلْزَمْهُ التَّسْوِيَةُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْقَلْعِ رِضًى بِالْحَفْرِ. وَإِنْ لَمْ يَشْرُطِ الْقَلْعَ، نُظِرَ، إِنْ أَرَادَهُ الْمُسْتَعِيرُ، مُكِّنَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَيَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ عَلَى الْأَصَحِّ.
قُلْتُ: كَذَا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ هُنَا، مِنْهُمُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الِانْتِصَارِ وَغَيْرُهُمَا، وَبِهِ قَطَعَ الْمُحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَلَا يَغْتَرُّ بِتَصْحِيحِ الرَّافِعِيِّ فِي «الْمُحَرَّرِ» : أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ، فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ، نَبَّهْتُ عَلَيهِ فِي مُخْتَصَرِ «الْمُحَرَّرِ» . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُعِيرِ قَلْعُهُ مَجَّانًا؛ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ، وَلَكِنْ يَتَخَيَّرُ الْمُعِيرُ. وَفِيمَا يَتَخَيَّرُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. أَحَدُهَا، وَبِهِ قَطَعَ الْإِمَامُ، وَأَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ، وَالْغَزَالِيُّ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ ثَلَاثِ خِصَالٍ. إِحْدَاهَا: أَنْ يُبْقِيَهِ بِأُجْرَةٍ يَأْخُذُهَا.
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَقْلَعَ وَيَضْمَنَ أَرْشَ النَّقْصِ، وَهُوَ قَدْرُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ قِيمَتِهِ نَابِتًا وَمَقْلُوعًا.
وَالثَّالِثَةُ: أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِقِيمَتِهِ، فَإِنِ اخْتَارَ خَصْلَةً، أَجْبَرَ عَلَيْهَا الْمُسْتَعِيرَ.
وَالثَّانِي، وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ: لَا بُدَّ فِي الْخَصْلَةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ مِنْ رِضَا الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى إِجَارَةٌ وَالثَّالِثَةَ بَيْعٌ.
وَالثَّالِثُ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ خَصْلَتَيْنِ: الْقَلْعِ وَضَمَانِ الْأَرْشِ، وَالتَّمَلُّكِ بِالْقِيمَةِ، وَبِهَذَا قَطَعَ أَبُو عَلِيٍّ الزَّجَّاجِيُّ وَأَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ، وَهَذَا أَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ. فَعَلَى هَذَا، لَوِ امْتَنَعَ مِنَ الْخَصْلَتَيْنِ، وَبَذَلَ الْمُسْتَعِيرُ الْأُجْرَةَ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُعِيرِ الْقَلْعُ مَجَّانًا. وَإِنْ لَمْ يَبْذُلْهَا، فَكَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبِهِ قَطَعَ الْمُخَيَّرُونَ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ إِذَا امْتَنَعَ مِنْهَا جَمِيعًا. وَمَا الَّذِي يَفْعَلُ فِيهِ؟ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الزَّجَّاجِيُّ: يَبِيعُ الْحَاكِمُ الْأَرْضَ مَعَ الْبِنَاءِ أَوِ الْغِرَاسِ لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ. وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ، مِنْهُمُ الْمُزَنِيُّ: يُعْرِضُ الْحَاكِمُ عَنْهُمَا إِلَى أَنْ يَخْتَارَا شَيْئًا، وَيَجُوزُ لِلْمُعِيرِ دُخُولُ الْأَرْضِ، وَالِانْتِفَاعُ بِهَا، وَالِاسْتِظْلَالُ بِالْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ؛ لِأَنَّهُ جَالِسٌ فِي مِلْكِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ دُخُولُهَا لِلتَّفَرُّجِ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمُعِيرِ، وَيَجُوزُ لِسَقْيِ الْأَشْجَارِ وَإِصْلَاحِ الْجِدَارِ عَلَى الْأَصَحِّ، صِيَانَةً لِمِلْكِهِ عَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute