وَطَحْنِ الْحِنْطَةِ، وَتَمْزِيقِ الثَّوْبِ، أَوْ لَا يَبْطُلَ. فَلَوْ أَرَادَ الْمَالِكُ تَرْكَ النَّاقِصِ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَتَغْرِيمَهُ بَدَلَهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ عَيْنُ مِلْكِهِ. وَفِي وَجْهٍ: إِذَا طَحَنَ الطَّعَامَ، فَلَهُ تَرْكُهُ وَطَلَبُ الْمِثْلِ، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى حَقِّهِ مِنَ الدَّقِيقِ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا لَهُ سِرَايَةٌ، لَا يَزَالُ يَسْرِي إِلَى الْهَلَاكِ الْكُلِّيِّ، كَمَا لَوْ بَلَّ الْحِنْطَةَ وَتَمَكَّنَ فِيهَا الْعَفَنُ السَّارِي، أَوِ اتَّخَذَ مِنْهَا هَرِيسَةً، أَوْ غَصَبَ سَمْنًا وَتَمْرًا وَدَقِيقًا وَعَمِلَهُ عَصِيدَةً، وَفِيهِ نُصُوصٌ وَطُرُقٌ مُخْتَلِفَةٌ تَجْمَعُهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ مَنْصُوصَةٍ. أَظْهَرُهَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ: يُجْعَلُ كَالْهَالِكِ وَيَغْرَمُ بَدَلَ كُلِّ مَغْصُوبٍ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ. وَالثَّانِي: يَرُدُّهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ، وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ إِلَّا ذَلِكَ، وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ. وَالثَّالِثُ: يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ مُوجَبِ الْقَوْلَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَالْمَسْعُودِيُّ. وَالرَّابِعُ: يَتَخَيَّرُ الْغَاصِبُ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَغْرَمَهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ.
قُلْتُ: رَجَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ الْأَوَّلَ أَيْضًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَعَلَى الْأَوَّلِ: لِمَنْ تَكُونُ الْحِنْطَةُ الْمَبْلُولَةُ؟ وَجْهَانِ نَقَلَهُمَا الْمُتَوَلِّي. أَحَدُهُمَا: تَبْقَى لِلْمَالِكِ كَمَا لَوْ نَجَّسَ زَيْتَهُ وَقُلْنَا: لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، فَإِنَّ الْمَالِكَ أَوْلَى بِهِ. وَالثَّانِي: يَصِيرُ لِلْغَاصِبِ. وَإِذَا حَكَمْنَا بِالْأَرْشِ مَعَ الرَّدِّ، غَرِمَ أَرْشَ عَيْبٍ سَارٍ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: فَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ أَنْ يُسَلِّمَ الْجَمِيعَ إِلَيْهِ فَعَلَ، وَإِنْ رَأَى يُسَلِّمُ أَرْشَ النَّقْصِ الْمُتَحَقَّقِ إِلَيْهِ فِي الْحَالِ وَوَقْفَ الزِّيَادَةِ إِلَى أَنْ تَتَيَقَّنَ نِهَايَتُهُ. وَفِي هَذَا نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ أَرْشِ الْعَيْبِ السَّارِي أَرْشُ عَيْبٍ شَأْنُهُ السِّرَايَةُ، وَهُوَ حَاصِلٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute