قُلْتُ: وَمِنْهَا: أَنْ يَهَبَ لَهُ الشِّقْصَ بِلَا ثَوَابٍ، ثُمَّ يَهَبَ لَهُ صَاحِبُهُ قَدْرَ قِيمَتِهِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: هَذَا لَا غَرَرَ فِيهِ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْ أَنْ لَا يَفِيَ صَاحِبُهُ، بِأَنْ يَهَبَهُ وَيَجْعَلَهُ فِي يَدِ أَمِينٍ لِيُقْبِضَهُ إِيَّاهُ، وَيَهَبَهُ صَاحِبُهُ قَدْرَ قِيمَتِهِ، وَيَجْعَلَهُ فِي يَدِ أَمِينٍ لِيُقْبِضَهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ يَتَقَابَضَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: لَا يُكْرَهُ دَفْعُ الشُّفْعَةِ بِالْحِيلَةِ، إِذْ لَيْسَ فِيهَا دَفْعُ حَقٍّ عَلَى الْغَيْرِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْبَيْعِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ: يُكْرَهُ دَفْعُ الشُّفْعَةِ بِالْحِيلَةِ، لِمَا فِيهَا مِنْ إِبْقَاءِ الضَّرَرِ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَذْهَبِنَا فِي الْحِيلَةِ فِي مَنْعِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ.
قُلْتُ: عَجَبٌ مِنَ الْإِمَامِ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَيْفَ قَالَ مَا قَالَ، مَعَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَسْطُورَةٌ، وَفِيهَا وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: تُكْرَهُ هَذِهِ الْحِيلَةُ. وَالثَّانِي: لَا، قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ الْقَزْوِينِيُّ فِي كِتَابِ الْحِيَلِ. أَمَّا الْحِيَلُ فِي دَفْعِ شُفْعَةِ الْجَارِ، فَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا قَطْعًا، وَفِيهَا مِنَ الْحِيَلِ غَيْرُ مَا سَبَقَ [مَا] ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يَشْتَرِي عُشْرَ الدَّارِ مَثَلًا بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ الثَّمَنِ، فَلَا يَرْغَبُ الشَّفِيعُ لِكَثْرَةِ الثَّمَنِ، ثُمَّ يَشْتَرِي تِسْعَةَ أَعْشَارِهِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ، فَلَا يَتَمَكَّنُ الْجَارُ مِنَ الشُّفْعَةِ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ حَالَةَ الشِّرَاءِ شَرِيكٌ فِي الدَّارِ، وَالشَّرِيكُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ، أَوْ يَخُطُّ الْبَائِعُ عَلَى طَرَفِ مِلْكِهِ خَطًّا مِمَّا يَلِي دَارَ جَارِهِ، وَيَبِيعُ مَا وَرَاءَ الْخَطِّ فَتَمْتَنِعُ شُفْعَةُ الْجَارِ، لِأَنَّ بَيْنَ مِلْكِهِ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ فَاصِلًا، ثُمَّ يَهَبُهُ الْفَاصِلَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute