قَارَضْتُكَ. وَإِنْ قَالَ: قَارَضْتُكَ عَلَيْهِ لِتَقْبِضَ وَتَتَصَرَّفَ، اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ مِثْلِ التَّقَاضِي وَالْقَبْضِ أَيْضًا. وَلَوْ قَالَ لِلْمَدْيُونِ: قَارَضْتُكَ عَلَى الدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْكَ، لَمْ يَصِحَّ الْقِرَاضُ، بَلْ لَوْ قَالَ: اعْزِلْ قَدْرَ حَقِّي مِنْ مَالِكَ، فَعَزَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: قَارَضْتُكَ عَلَيْهِ، لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ. فَإِذَا تَصَرَّفَ الْمَأْمُورُ فِيمَا عَزَلَهُ، نُظِرَ، إِنِ اشْتَرَى بِعَيْنِهِ لِلْقِرَاضِ، فَهُوَ كَالْفُضُولِيِّ يَشْتَرِي لِغَيْرِهِ بِعَيْنِ مَالِهِ. وَإِنِ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْبَغَوِيِّ: أَنَّهُ لِلْمَالِكِ، لِأَنَّهُ اشْتَرَى لَهُ بِإِذْنِهِ. وَأَصَحُّهُمَا: عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ: لِلْعَامِلِ، لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَمْلِكِ الْيَمِينَ. وَحَيْثُ كَانَ الْمَعْزُولُ لِلْمَالِكِ، فَالرِّبْحُ وَرَأْسُ الْمَالِ لَهُ لِفَسَادِ الْقِرَاضِ، وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ لِلْعَامِلِ. وَلَوْ دَفَعَ كِيسَيْنِ فِي كُلِّ أَلْفٍ، وَقَالَ: قَارَضْتُكَ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ، لِتَسَاوِيهِمَا. وَأَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، لِعَدَمِ التَّعْيِينِ.
قُلْتُ: فَعَلَى الْأَوَّلِ يَتَصَرَّفُ الْعَامِلُ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ، فَيَتَعَيَّنُ لِلْقِرَاضِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ كَانَتْ دَرَاهِمُهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَدِيعَةً، فَقَارَضَهُ عَلَيْهَا، صَحَّ، وَلَوْ كَانَتْ غَصْبًا، صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، كَمَا لَوْ رَهَنَهُ عِنْدَ الْغَاصِبِ. وَعَلَى هَذَا، لَا يَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِ الْغَصْبِ كَمَا فِي الرَّهْنِ.
قُلْتُ: مَعْنَاهُ: لَا يَبْرَأُ بِمُجَرَّدِ الْقِرَاضِ. أَمَّا إِذَا تَصَرَّفَ الْعَامِلُ فَبَاعَ وَاشْتَرَى، فَيَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِ الْغَصْبِ، لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَزَالَتْ عَنْهُ يَدُهُ، وَمَا يَقْبِضُهُ مِنَ الْأَعْوَاضِ، يَكُونُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِيهَا مُضَمِّنٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مُسَلَّمًا إِلَى الْعَامِلِ، وَيَسْتَقِلُّ بِالْيَدِ عَلَيْهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ. فَلَوْ شَرَطَ الْمَالِكُ أَنْ يَكُونَ الْكِيسُ فِي يَدِهِ وَيُوَفِّيَ مِنْهُ الثَّمَنَ إِذَا اشْتَرَى الْعَامِلُ شَيْئًا، أَوْ شَرَطَ أَنَّهُ يُرَاجِعُهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ، أَوْ مُشْرِفًا نَصَبَّهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute