فَرْعٌ
قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ لَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ أَلْفًا وَقَالَ: اشْتَرِ بِهَا هَرَوِيًّا أَوْ مَرْوِيًّا بِالنِّصْفِ، فَهُوَ فَاسِدٌ. وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ فَسَادِهِ، فَالْأَصَحُّ، وَفِي سِيَاقِ الْكَلَامِ مَا يَقْتَضِيهِ: أَنَّهُ تَعَرُّضٌ لِلشِّرَاءِ دُونَ الْبَيْعِ، وَهَذَا تَقْرِيعٌ عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ التَّعَرُّضَ لِلشِّرَاءِ لَا يُغْنِي عَنِ التَّعَرُّضِ لِلْبَيْعِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ الْمُضَارَبَةِ وَنَحْوِهَا لِتَنَاوُلِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، أَوْ [مِنْ] لَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ جَمِيعًا. وَإِذَا اقْتَصَرَ عَلَى الشِّرَاءِ، فَلِلْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ الشِّرَاءُ دُونَ الْبَيْعِ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْمَالِكِ، وَالْخُسْرَانُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَكْفِي التَّعَرُّضُ لِلشِّرَاءِ، وَيَتَضَمَّنُ الْإِذْنَ فِي الْبَيْعِ بَعْدَهُ، وَقِيلَ: إِذَا أَتَى بِلَفْظِ الْمُضَارَبَةِ أَوِ الْقِرَاضِ كَانَ كَقَوْلِهِ: اشْتَرِ، مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْبَيْعِ. وَالصَّحِيحُ: الصِّحَّةُ. وَقِيلَ: سَبَبُهُ أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ لِمَنِ النِّصْفُ.
وَاعْتَرَضَ ابْنُ سُرَيْجٍ عَلَى هَذَا، بِأَنَّ الشَّرْطَ يَنْصَرِفُ إِلَى الْعَامِلِ، لِأَنَّ الْمَالِكَ يَسْتَحِقُّ بِالْمَالِ، لَا بِالشَّرْطِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: سَبَبُ الْفَسَادِ، أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ، وَلَا أَطْلَقَ التَّصَرُّفَ فِي أَنْوَاعِ الْأَمْتِعَةِ. وَاعْتَرَضَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَلَيْهِ، بِأَنَّهُ لَوْ عُيِّنَ أَحَدُهُمَا، حَكَمْنَا بِالصِّحَّةِ، فَإِذَا ذَكَرَهُمَا عَلَى التَّرْدِيدِ، زَادَ الْعَامِلُ بَسْطَةً وَتَخْيِيرًا، فَهُوَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ.
قُلْتُ: هَذَا الِاعْتِرَاضُ لَيْسَ بِمَقْبُولٍ، لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ حَمَلَ لَفْظَةَ «أَوْ» عَلَى التَّخْيِيرِ، وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يُنْكِرُ ذَلِكَ وَيَقُولُ: إِنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي أَحَدِهِمَا وَشَكَّ فِي الْمُرَادِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقِيلَ: سَبَبُهُ أَنَّ الْقِرَاضَ إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا أَطْلَقَ التَّصَرُّفَ فِي الْأَمْتِعَةِ، أَوْ عَيَّنَ جِنْسًا يَعُمُّ وُجُودُهُ، وَالْهَرَوِيُّ وَالْمَرْوِيُّ لَيْسَا كَذَلِكَ، وَكَأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ يُقْرِضُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute