يَبِيعَهَا هُنَاكَ، أَوْ يَرُدَّهَا إِلَى مَوْضِعِ الْقِرَاضِ، قَالَ الْإِمَامُ: قَالَ الْأَكْثَرُونَ بِفَسَادِ الْقِرَاضِ، لِأَنَّ نَقْلَ الْمَتَاعِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، عَمَلٌ زَائِدٌ عَلَى التِّجَارَةِ، فَأَشْبَهَ شَرْطَ الطَّحْنِ وَالْخَبْزِ، وَيُخَالِفُ مَا إِذَا أَذِنَ لَهُ فِي السَّفَرِ، فَإِنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ نَفْيُ الْحَرَجِ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ: لَا يَضُرُّ شَرْطُ الْمُسَافَرَةِ، فَإِنَّهَا الرَّكْنُ الْأَعْظَمُ فِي الْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ.
الثَّالِثَةُ: قَالَ: خُذْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ قِرَاضًا، وَصَارِفْ بِهَا مَعَ الصَّيَارِفَةِ، فَفِي صِحَّةِ مُصَارَفَتِهِ مَعَ غَيْرِهِمْ وَجْهَانِ. وَجْهُ الصِّحَّةِ: أَنَّ مَقْصُودَهُ التَّصَرُّفُ مُصَارَفَةً.
الرَّابِعَةُ: خَلَطَ الْعَامِلُ مَالَ الْقِرَاضِ بِمَالِهِ، صَارَ ضَامِنًا، وَكَذَا لَوْ قَارَضَهُ رَجُلَانِ، فَخَلَطَ مَالَ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَكَذَا لَوْ قَارَضَهُ وَاحِدٌ عَلَى مَالَيْنِ بِعَقْدَيْنِ، فَخَلَطَهُمَا، ضَمِنَ. فَلَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ أَلْفًا قِرَاضًا، ثُمَّ أَلْفًا، وَقَالَ: ضُمُّهُ إِلَى الْأَوَّلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَصَرَّفَ بَعْدُ فِي الْأَوَّلِ، جَازَ، وَكَأَنَّهُ دَفَعَهُمَا إِلَيْهِ مَعًا، وَإِنْ كَانَ تَصَرَّفَ فِي الْأَوَّلِ، لَمْ يَجُزِ الْقِرَاضُ فِي الثَّانِي، وَلَا الْخَلْطُ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَقَرَّ حُكْمُهُ بِالتَّصَرُّفِ رِبْحًا وَخُسْرَانًا، وَرِبْحُ كُلِّ مَالٍ وَخُسْرَانُهُ يَخْتَصُّ بِهِ، وَلَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ أَلْفًا قِرَاضًا، وَقَالَ: ضُمَّ إِلَيْهِ أَلْفًا مِنْ عِنْدِكَ عَلَى أَنْ يَكُونَ ثُلُثُ رِبْحِهِمَا لَكَ وَثُلُثَاهُ لِي، أَوْ بِالْعَكْسِ، فَسَدَ الْقِرَاضُ، لِمَا فِيهِ مِنْ شَرْطِ التَّفَاوُتِ فِي الرِّبْحِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ، وَلَا نَظَرَ إِلَى الْعَمَلِ بَعْدَ الشَّرِكَةِ فِي الْمَالِ.
وَلَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ زَيْدٌ أَلْفًا قِرَاضًا، وَعَمْرٌو كَذَلِكَ، فَاشْتَرَى لِكُلِّ وَاحِدٍ عَبْدًا بِأَلْفٍ، ثُمَّ اشْتَبَهَا عَلَيْهِ، فَقَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: يَنْقَلِبُ شِرَاءُ الْعَبْدَيْنِ لَهُ، وَيَغْرَمُ لَهُمَا، لِتَفْرِيطِهِ. ثُمَّ الْمَغْرَمُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ الْأَلْفَانِ. وَقِيلَ: يَغْرَمُ قِيمَةَ الْعَبْدَيْنِ وَإِنْ زَادَتْ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُبَاعُ الْعَبْدَانِ وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ حَصَلَ رِبْحٌ، فَهُوَ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ الشَّرْطِ. وَإِنْ حَصَلَ خُسْرَانٌ، قَالَ الْأَصْحَابُ: يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ، لِتَقْصِيرِهِ. وَاسْتَدْرَكَ الْمُتَأَخِّرُونَ فَقَالُوا: إِنْ كَانَ لِانْخِفَاضِ السُّوقِ، لَا يَضْمَنُ، لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يُجْعَلَ كَالْغَاصِبِ، وَالْغَاصِبُ لَا يَضْمَنُ انْخِفَاضَ السُّوقِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute