فَرْعٌ
لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ بِالْمُدَّةِ، وَفِي تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ الَّتِي يَجُوزُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، الْمَشْهُورُ وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَجُوزُ سِنِينَ كَثِيرَةً، بِحَيْثُ يَبْقَى إِلَيْهَا ذَلِكَ الشَّيْءُ غَالِبًا، فَلَا يُؤَجَّرُ الْعَبْدُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَالدَّابَّةُ تُؤَجَّرُ عَشْرَ سِنِينَ، وَالثَّوْبُ سَنَتَيْنِ أَوْ سَنَةً عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ، وَالْأَرْضُ مِائَةَ سَنَةٍ وَأَكْثَرَ. وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: يُؤَجَّرُ الْعَبْدُ إِلَى تَمَامِ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً مِنْ عُمْرِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ مُطْلَقًا. وَالثَّالِثُ: لَا يَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ. وَحُكِيَ وَجْهٌ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا مُدَّةً لَا تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ غَالِبًا، لِأَنَّ الْأَصْلَ الدَّوَامُ، فَإِنْ هَلَكَتْ لِعَارِضٍ، فَكَانْهِدَامِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ. وَحُكْمُ الْوَقْفِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ حُكْمُ الطِّلْقِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: إِلَّا أَنَّ الْحُكَّامَ اصْطَلَحُوا عَلَى مَنْعِ إِجَارَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ لِئَلَّا يَنْدَرِسَ الْوَقْفُ، وَهَذَا الِاصْطِلَاحُ، غَيْرُ مُطَّرِدٍ. وَفِي أَمَالِي السَّرَخْسِيِّ: أَنَّ الْمَذْهَبَ مَنْعُ إِجَارَةِ الْوَقْفِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ إِذَا لَمْ تَمَسَّ إِلَيْهِ حَاجَةٌ لِعِمَارَةٍ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ غَرِيبٌ. وَإِذَا جَوَّزْنَا إِجَارَةً أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، فَهَلْ يَجِبُ تَقْدِيرُ حِصَّةِ كُلِّ سَنَةٍ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: لَا، وَتُوَزَّعُ الْأُجْرَةُ عَلَى قِيمَةِ مَنَافِعِ السِّنِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِهَذَا.
إِذَا قَالَ: أَجَّرْتُكَ شَهْرًا، أَوْ قَالَ: سَنَةً، صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَحُمِلَ عَلَى مَا يَتَّصِلُ بِالْعَقْدِ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ: مِنَ الْآنَ. وَلَوْ قَالَ: أَجَّرْتُكَ شَهْرًا مِنَ السَّنَةِ، فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ قَطْعًا لِلْإِبْهَامِ.
وَلَوْ قَالَ: كُلُّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ مِنَ الْآنَ، فَبَاطِلٌ أَيْضًا عَلَى الْمَشْهُورِ وَالصَّحِيحِ. وَقَالَ فِي «الْإِمْلَاءِ» : يَصِحُّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، وَبِهِ قَطَعَ الْإِصْطَخْرِيُّ. وَلَوْ قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute