وَلَوْ قَالَ: لِتَزْرَعَ هَذِهِ الْحِنْطَةَ وَلَا تَزْرَعَ غَيْرَهَا، فَأَوْجُهٌ. أَحَدُهَا: يَفْسَدُ الْعَقْدُ، لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ. قَالَ ابْنُ كَجٍّ وَالرُّوْيَانِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَالثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ: صِحَّةُ الْعَقْدِ وَفَسَادُ الشَّرْطِ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: أَجَّرْتُكَ عَلَى أَنْ لَا تَلْبَسَ إِلَّا الْحَرِيرَ. وَالثَّالِثُ: يَصِحُّ الْعَقْدُ وَالشَّرْطُ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ مِنَ الْمُؤَجِّرِ، فَمَلَكَ بِحَسَبِ التَّمْلِيكِ.
قُلْتُ: الْأَوَّلُ أَقْوَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ اسْتِيفَاءِ سَائِرِ الْمَنَافِعِ. فَإِذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ فِي طَرِيقٍ، لَمْ يَرْكَبْهَا فِي طَرِيقٍ أَحْزَنَ مِنْهُ وَلَهُ رُكُوبُهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ الطَّرِيقِ. وَإِذَا اسْتَأْجَرَ لِحِمْلِ الْحَدِيدِ، لَمْ يَحْمِلِ الْقُطْنَ وَلَا الْعَكْسُ، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ دُكَّانًا لِصَنْعَةٍ، مُنِعَ مِمَّا فَوْقَهَا فِي الضَّرَرِ.
فَرْعٌ
إِذَا تَعَدَّى الْمُسْتَأْجِرُ لِلْحِنْطَةِ، فَزَرَعَ الذُّرَةَ، وَلَمْ يَتَخَاصَمَا حَتَّى انْقَضَتِ الْمُدَّةُ وَحَصَدَ الذُّرَةَ، فَالْمَذْهَبُ، وَهُوَ نَصُّهُ فِي «الْمُخْتَصَرِ» وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ: أَنَّ الْمُؤَجِّرَ بِالْخِيَارِ، بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْمُسَمَّى وَبَدَلَ النُّقْصَانِ الزَّائِدَ بِزِرَاعَةِ الذُّرَةِ عَلَى ضَرَرِ الْحِنْطَةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِزَرْعِ الذُّرَةِ. وَقَالَ كَثِيرُونَ: فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: تَعْيِينُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِلذُّرَةِ. وَالثَّانِي: تَعْيِينُ الْمُسَمَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute