اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلسَّفَرِ عَلَيْهَا فَمَرِضَ، أَوْ حَانُوتًا لِحِرْفَةٍ فَنَدِمَ أَوْ هَلَكَتْ آلَاتُ تِلْكَ الْحِرْفَةِ، أَوْ حَمَّامًا فَتَعَذَّرَ الْوَقُودُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعُذْرُ لِلْمُؤَجِّرِ، بِأَنْ مَرِضَ وَعَجَزَ عَنِ الْخُرُوجِ مَعَ الدَّابَّةِ، أَوْ أَكْرَى دَارَهُ وَأَهْلُهُ مُسَافِرُونَ، فَعَادُوا وَاحْتَاجَ إِلَى الدَّارِ، أَوْ تَأَهَّلَ، فَلَا فَسْخَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، إِذْ لَا خَلَلَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. وَلَوِ اكْتَرَى أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ، فَزَرَعَهَا، فَهَلَكَ الزَّرْعُ بِجَائِحَةٍ مِنْ سَيْلٍ أَوْ شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ كَثْرَةِ مَطَرٍ وَنَحْوِهَا، فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ وَلَا حَطُّ شَيْءٍ مِنَ الْأُجْرَةِ، لِأَنَّ الْجَائِحَةَ لَحِقَتْ زَرْعَ الْمُسْتَأْجِرِ، لَا مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ، فَصَارَ كَمَا لَوِ اكْتَرَى دُكَّانًا لِبَيْعِ الْبَزِّ فَاحْتَرَقَ بَزُّهُ، لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ.
فَلَوْ فَسَدَتِ الْأَرْضُ بِجَائِحَةٍ أَبْطَلَتْ قُوَّةَ الْإِنْبَاتِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، انْفَسَخَتِ الْإِجَارَةُ فِي الْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ. ثُمَّ إِنْ كَانَ فَسَادُ الْأَرْضِ بَعْدَ فَسَادِ الزَّرْعِ، فَهَلْ يَسْتَرِدُّ شَيْئًا مِنَ الْأُجْرَةِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْغَزَالِيِّ: الْمَنْعُ، لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَتْ صَلَاحِيَةُ الْأَرْضِ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِيهَا نَفْعٌ بَعْدَ فَوَاتِ الزَّرْعِ.
وَالثَّانِي وَبِهِ قَطَعَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْإِمَامِ: يَسْتَرِدُّ، لِأَنَّ بَقَاءَ الْأَرْضِ عَلَى صِفَتِهَا مَطْلُوبٌ. فَإِذَا زَالَ، ثَبَتَ الِانْفِسَاخُ. وَإِنْ كَانَ فَسَادُ الزَّرْعِ بَعْدَ فَسَادِ الْأَرْضِ، فَأَصَحُّ الِاحْتِمَالَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ: الِاسْتِرْدَادُ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: فَوَاتُ الْمَنْفَعَةِ بِالْكُلِّيَّةِ حِسًّا، فَمِنْ صُوَرِهِ مَوْتُ الدَّابَّةِ وَالْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ عَقِبِهِ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، انْفَسَخَ الْعَقْدُ. وَإِنْ كَانَ فِي خِلَالِ الْمُدَّةِ، انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي الْبَاقِي وَفِي الْمَاضِي الطَّرِيقَانِ فِيمَا إِذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ، فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَتَلِفَ الثَّانِي قَبْلَ الْقَبْضِ، هَلْ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِي الْمَقْبُوضِ؟ فَإِنْ قُلْنَا: يَنْفَسِخُ فِي الْمَاضِي، سَقَطَ الْمُسَمَّى وَوَجَبَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا مَضَى. وَإِنْ قُلْنَا:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute