الْمُدَّةُ، أَوْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ فِيهَا ذَلِكَ الْعَمَلُ، اسْتَقَرَّتِ الْأُجْرَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا أَلْزَمَ ذِمَّةَ الْحُرِّ عَمَلًا، فَسَلَّمَ نَفْسَهُ مُدَّةَ إِمْكَانِ ذَلِكَ الْعَمَلِ [وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ، وَطَرَدَ الْمُتَوَلِّي الْخِلَافَ فِيمَا إِذَا الْتَزَمَ الْحُرُّ عَمَلًا فِي الذِّمَّةِ وَسَلَّمَ عَبْدَهُ لِيَسْتَعْمِلَهُ] فَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ، وَوَجَّهَهُ بِمَا يَقْتَضِي إِثْبَاتُ خِلَافٍ فِي كُلِّ إِجَارَةٍ عَلَى الذِّمَّةِ. ثُمَّ إِنْ قُلْنَا: لَا تَسْتَقِرُّ، فَلِلْأَجِيرِ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إِلَى الْحَاكِمِ لِيُجْبِرَهُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ.
فَرْعٌ
أَكْرَى عَيْنًا مُدَّةً، وَلَمْ يُسَلِّمْهَا حَتَّى مَضَتِ الْمُدَّةُ، انْفَسَخَتِ الْإِجَارَةُ، لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَلَوِ اسْتَوْفَى [مَنْفَعَةَ] الْمُدَّةِ، فَطَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَإِتْلَافِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِالِانْفِسَاخِ. وَلَوْ أَمْسَكَهَا بَعْضَ الْمُدَّةِ، ثُمَّ سَلَّمَهَا، انْفَسَخَتِ الْإِجَارَةُ فِي الْمَدَّةِ الَّتِي تَلِفَتْ مَنَافِعُهَا. وَفِي الْبَاقِي الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا تَلِفَ بَعْضُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْفَسِخُ، فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ، وَلَا يُبَدَّلُ زَمَانٌ بِزَمَانٍ. وَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْمُدَّةُ مُقَدَّرَةً، وَاسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ إِلَى بَلَدٍ فَلَمْ يُسَلِّمْهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ فِيهَا الْمُضِيُّ إِلَيْهِ، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ. وَأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ: لَا تَنْفَسِخُ، لِأَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَنْفَعَةِ لَا بِالزَّمَانِ، وَلَمْ يَتَعَذَّرِ اسْتِيفَاؤُهَا. فَعَلَى هَذَا، قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا خِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ، كَمَا لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إِذَا امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ مُدَّةً ثُمَّ سَلَّمَهُ. وَشَذَّ الْغَزَالِيُّ فَقَالَ فِي «الْوَسِيطِ» : لَهُ الْخِيَارُ، لِتَأَخُّرِ حَقِّهِ. وَالْمَعْرُوفُ، مَا سَبَقَ. وَلَوْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يُسَلِّمْ مَا تُسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةُ مِنْهُ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ فِيهَا تَحْصِيلُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ، فَلَا فَسْخَ وَلَا انْفِسَاخَ بِحَالٍ، لِأَنَّهُ دَيْنٌ تَأَخَّرَ إِيفَاؤُهُ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: فَوَاتُ الْمَنْفَعَةِ شَرْعًا، كَفَوَاتِهَا حِسًّا فِي اقْتِضَاءِ الِانْفِسَاخِ، لِتَعَذُّرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute