للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيَنْبَغِي لِلْمُتَحَجِّرِ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ كِفَايَتِهِ، وَأَنْ لَا يَتَحَجَّرَ مَا لَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِعِمَارَتِهِ. فَإِنْ خَالَفَ، قَالَ الْمُتَوَلِّي: فَلِغَيْرِهِ أَنْ يُحْيِيَ مَا زَادَ عَلَى كِفَايَتِهِ، وَمَا زَادَ عَلَى مَا يُمْكِنُهُ بِعِمَارَتِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَصِحُّ تَحَجُّرُهُ أَصْلًا، لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ.

قُلْتُ: قَوْلُ الْمُتَوَلِّي أَقْوَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَغِلَ بِالْعِمَارَةِ عَقِيبَ التَّحَجُّرِ. فَإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ وَلَمْ يُحْيِ، قَالَ لَهُ السُّلْطَانُ: أَحْيِ أَوِ ارْفَعْ يَدَكَ عَنْهُ. فَإِنْ ذَكَرَ عُذْرًا وَاسْتَمْهَلَهُ، أَمْهَلَهُ مُدَّةً قَرِيبَةً يَسْتَعِدُّ فِيهَا لِلْعِمَارَةِ.

وَالنَّظَرُ فِي تَقْدِيرِهَا إِلَى رَأْيِ السُّلْطَانِ، وَلَا تَتَقَدَّرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِذَا مَضَتْ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِالْعِمَارَةِ، بَطَلَ حَقُّهُ. وَلَيْسَ لِطُولِ الْمُدَّةِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَ التَّحَجُّرِ حَدٌّ مُعَيَّنٌ، وَإِنَّمَا الرُّجُوعُ فِيهِ إِلَى الْعَادَةِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَحَقُّ الْمُتَحَجِّرِ يَبْطُلُ بِطُولِ الزَّمَانِ وَتَرْكِهِ الْعِمَارَةَ وَإِنْ لَمْ يَرْفَعِ الْأَمْرَ إِلَى السُّلْطَانِ وَلَمْ يُخَاطِبْهُ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ التَّحَجُّرَ ذَرِيعَةٌ إِلَى الْعِمَارَةِ، وَهِيَ لَا تُؤَخَّرُ عَنِ التَّحَجُّرِ إِلَّا بِقَدْرِ تَهْيِئَةِ أَسْبَابِهَا، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ تَحَجُّرُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَهْيِئَةِ الْأَسْبَابِ، كَمَنْ يَتَحَجَّرُ لِيُعَمِّرَ فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ، وَكَفَقِيرٍ يَتَحَجَّرُ لِيُعَمِّرَ إِذَا قَدَرَ، فَوَجَبَ إِذَا أَخَّرَ وَطَالَ أَنْ يَعُودَ مَوَاتًا كَمَا كَانَ، هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ. وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مِثْلَهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، ثُمَّ قَالَ: عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ إِلَّا بِالرَّفْعِ إِلَى السُّلْطَانِ وَمُخَاطَبَتِهِ.

فَرْعٌ

لَوْ بَادَرَ أَجْنَبِيٌّ قَبْلَ أَنْ يَبْطُلَ حَقُّ الْمُتَحَجِّرِ، فَأَحْيَا مَا تَحَجَّرَهُ، مُلِّكَهُ الْمُحْيِي عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ، لِأَنَّهُ حَقَّقَ سَبَبَ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا، كَمَا لَوْ دَخَلَ فِي سَوْمِ أَخِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>