فِي أُخْرَيَاتِ الْمَسْجِدِ، وَامْتَدَّ صَفٌّ طَوِيلٌ، جَازَ، وَإِنْ وَقَفُوا بِقُرْبِهِ، وَامْتَدَّ الصَّفُّ، فَصَلَاةُ الْخَارِجِينَ عَنْ مُحَاذَاةِ الْكَعْبَةِ بَاطِلَةٌ.
الْحَالُ الْخَامِسُ: أَنْ يُصَلِّيَ بِمَكَّةَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ. فَإِنْ عَايَنَ الْكَعْبَةَ، كَمَنْ يُصَلِّي عَلَى [جَبَلِ] أَبِي قُبَيْسٍ، صَلَّى إِلَيْهَا، وَلَوْ بَنَى مِحْرَابَهُ عَلَى الْعِيَانِ صَلَّى إِلَيْهِ أَبَدًا، وَلَا يَحْتَاجُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ إِلَى الْمُعَايَنَةِ، وَفِي مَعْنَى الْمُعَايِنِ مَنْ نَشَأَ بِمَكَّةَ وَتَيَقَّنَ إِصَابَةَ الْكَعْبَةِ وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْهَا حَالَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ وَلَا تَيَقَّنِ الْإِصَابَةَ فَلَهُ اعْتِمَادُ الْأَدِلَّةِ وَالْعَمَلِ بِالِاجْتِهَادِ إِنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ حَائِلٌ أَصْلِيٌّ كَالْجَبَلِ، وَكَذَا إِنْ كَانَ الْحَائِلُ طَارِئًا كَالْبِنَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ، لِلْمَشَقَّةِ فِي تَكْلِيفِ الْمُعَايَنَةِ.
الْحَالُ السَّادِسُ: أَنْ يُصَلِّيَ بِالْمَدِينَةِ، فَمِحْرَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَازِلٌ مَنْزِلَةَ الْكَعْبَةِ. فَمَنْ يُعَايِنْهُ، يَسْتَقْبِلْهُ، وَيُسَوِّي مِحْرَابَهُ عَلَيْهِ، بِنَاءً عَلَى الْعِيَانِ، أَوِ الِاسْتِدْلَالِ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْكَعْبَةِ، وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ بِالِاجْتِهَادِ بِحَالٍ.
وَفِي مَعْنَى الْمَدِينَةِ، سَائِرُ الْبِقَاعِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ضَبَطَ الْمِحْرَابَ، وَكَذَا الْمَحَارِيبُ الْمَنْصُوبَةُ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي الطَّرِيقِ الَّتِي هِيَ جَادَّتُهُمْ يَتَعَيَّنُ اسْتِقْبَالُهَا وَلَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ.
وَكَذَا الْقَرْيَةُ الصَّغِيرَةُ، إِذَا نَشَأَ فِيهَا قُرُونٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا اعْتِمَادَ عَلَى عَلَامَةٍ بِطَرِيقٍ يَنْدُرُ مُرُورُ النَّاسِ بِهِ، أَوْ يَسْتَوِي مُرُورُ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ بِهِ أَوْ بِقَرْيَةٍ خَرِبَةٍ، لَا يُدْرَى، بَنَاهَا الْمُسْلِمُونَ أَوِ الْكُفَّارُ؟ بَلْ يَجْتَهِدُ.
ثُمَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعُ الَّتِي مَنَعْنَا الِاجْتِهَادَ فِيهَا فِي الْجِهَةِ، هَلْ يَجُوزُ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ إِنْ كَانَ مِحْرَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ.
وَلَوْ تَخَيَّلَ حَاذِقٌ فِي مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ فِيهِ تَيَامُنًا أَوْ تَيَاسُرًا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَخَيَالُهُ بَاطِلٌ، وَأَمَّا سَائِرُ الْبِلَادِ، فَيَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ، وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ، وَالثَّالِثُ: لَا يَجُوزُ فِي الْكُوفَةِ خَاصَّةً، وَالرَّابِعُ: لَا يَجُوزُ فِي الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، لِكَثْرَةِ مَنْ دَخَلَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute