وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا يُمَلَّكُهُ، لَكِنَّهُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ. وَالصَّحِيحُ: الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ. وَإِنْ دَخَلَ شَيْءٌ مِنْهُ مِلْكَ إِنْسَانٍ بِسَيْلٍ، فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ مَا دَامَ فِيهِ، لِامْتِنَاعِ دُخُولِ مِلْكِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ. فَلَوْ فَعَلَ، فَهَلْ يُمَلَّكُهُ، أَمْ لِلْمَالِكِ اسْتِرْدَادُهُ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ. فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَرْضِهِ، أَخَذَهُ مَنْ شَاءَ.
فَرْعٌ
إِذَا أَرَادَ قَوْمٌ سَقْيَ أَرَضِيهِمْ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ النَّهْرُ عَظِيمًا يَفِي بِالْجَمِيعِ، سَقَى مَنْ شَاءَ مَتَى شَاءَ. وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، أَوْ كَانَ الْمَاءُ يَجْرِي مِنَ النَّهْرِ الْعَظِيمِ فِي سَاقِيَةٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ، بِأَنِ انْخَرَقَتْ بِنَفْسِهَا، سَقَى الْأَوَّلُ أَرْضَهُ، ثُمَّ يُرْسِلُهُ إِلَى الثَّانِي، ثُمَّ الثَّانِي إِلَى الثَّالِثِ. وَكَمْ يَحْبِسُ الْمَاءَ فِي أَرْضِهِ؟ وَجْهَانِ، الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: أَنَّهُ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ.
وَالثَّانِي: يُرْجَعُ فِي قَدْرِ السَّقْيِ إِلَى الْعَادَةِ وَالْحَاجَةِ. وَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَيْسَ التَّقْدِيرُ بِالْكَعْبَيْنِ فِي كُلِّ الْأَزْمَانِ وَالْبُلْدَانِ، لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَرْضِ، وَبِاخْتِلَافِ مَا فِيهَا [مِنْ] زَرْعٍ وَشَجَرٍ، وَبِوَقْتِ الزِّرَاعَةِ، وَوَقْتِ السَّقْيِ. وَحُكِيَ وَجْهٌ عَنِ الدَّارَكِيِّ: أَنَّ الْأَعْلَى لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْأَسْفَلِ، لَكِنْ يَسْقُونَ بِالْحِصَصِ، وَهَذَا غَرِيبٌ بَاطِلٌ. وَلَوْ كَانَتْ أَرْضُ الْأَعْلَى بَعْضُهَا مُرْتَفِعًا، وَبَعْضُهَا مُنْخَفِضًا، وَلَوْ سُقِيَا مَعًا لَزَادَ الْمَاءُ فِي الْمُنْخَفِضَةِ عَلَى الْحَدِّ الْمُسْتَحَقِّ، أُفْرِدَ كُلُّ بَعْضٍ بِالسَّقْيِ بِمَا هُوَ طَرِيقُهُ.
قُلْتُ: طَرِيقُهُ أَنْ يَسْقِيَ الْمُنْخَفِضَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يَسُدَّهُ، ثُمَّ يَسْقِيَ الْمُرْتَفِعَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute