قُلْتُ: هَذَا التَّوَقُّفُ مِنَ الْإِمَامِ الرَّافِعِيِّ عَجَبٌ، فَقَدْ جَزَمَ وَصَرَّحَ بِالِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ جَمَاعَاتٌ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا، مِنْهُمُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَصَاحِبُ (الْحَاوِي) وَالْمَحَامِلِيُّ، وَصَاحِبَا (الشَّامِلِ) وَ (الْبَيَانِ) وَآخَرُونَ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ.
وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَلَى قَوْلِ التَّبَاعُدِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُجْتَنَبُ نَجِسًا، كَذَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَالْبَغَوِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. حَتَّى قَالَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ: لَوْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَقَطْ، كَانَ نَجِسًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. وَالصَّوَابُ: الْأَوَّلُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
إِذَا غُمِسَ كُوزٌ مُمْتَلِئٌ مَاءً نَجِسًا فِي مَاءٍ كَثِيرٍ طَاهِرٍ، فَإِنْ كَانَ وَاسِعَ الرَّأْسِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَعُودُ طَهُورًا، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقَهُ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ. وَإِذَا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ طَهُورٌ فِي الصُّورَتَيْنِ، فَهَلْ يَصْلُحُ ذَلِكَ عَلَى الْفَوْرِ، أَمْ لَا بُدَّ مِنْ زَمَانٍ يَزُولُ فِيهِ التَّغَيُّرُ لَوْ كَانَ مُتَغَيِّرًا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. الْأَصَحُّ: الثَّانِي. وَيَكُونُ الزَّمَانُ فِي الضَّيِّقِ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي الْوَاسِعِ. فَإِنْ كَانَ مَاءُ الْكُوزِ مُتَغَيِّرًا، فَلَا بُدَّ مِنْ زَوَالِ تَغَيُّرِهِ، وَلَوْ كَانَ الْكُوزُ غَيْرَ مُمْتَلِئٍ، فَمَا دَامَ يَدْخُلُ فِيهِ الْمَاءُ، فَلَا اتِّصَالَ، وَهُوَ عَلَى نَجَاسَتِهِ.
قُلْتُ: إِلَّا أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنَ الَّذِي فِيهِ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ مَا سَبَقَ فِي الْمُكَاثَرَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute