أَمَّا إِذَا قُلْنَا بِالْأَظْهَرِ: إِنَّهُ يُنْفِقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَالٌ، أَوْ كَانَ هُنَاكَ مَا هُوَ أَهَمُّ، كَسَدِّ ثَغْرٍ يَعْظُمُ ضَرَرُهُ لَوْ تُرِكَ، قَامَ الْمُسْلِمُونَ بِكِفَايَتِهِ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُمْ تَضْيِيعُهُ. ثُمَّ هَلْ طَرِيقُهُ طَرِيقُ النَّفَقَةِ، أَمْ طَرِيقُ الْقَرْضِ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا وَالَّذِي يَقْتَضِي كَلَامُ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ تَرْجِيحَهُ: أَنَّهُ طَرِيقُ الْقَرْضِ. فَإِنْ قُلْنَا: طَرِيقُ النَّفَقَةِ، فَقَامَ بِهِ بَعْضُهُمْ، انْدَفَعَ الْحَرَجُ عَنِ الْبَاقِينَ. وَإِنِ امْتَنَعُوا، أَثِمُوا كُلُّهُمْ، وَطَالَبَهُمُ الْإِمَامُ. فَإِنْ أَصَرُّوا، قَاتَلَهُمْ، وَعِنْدَ التَّعَذُّرِ يَقْتَرِضُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا: طَرِيقُ الْقَرْضِ يُثْبِتُ الرُّجُوعَ. وَعَلَى هَذَا، إِنْ تَيَسَّرَ الِاقْتِرَاضُ، فَذَاكَ، وَإِلَّا، قَسَّطَ الْإِمَامُ نَفَقَتَهُ عَلَى الْمُوسِرِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ [ثُمَّ] إِنْ ظَهَرَ عَبْدًا، فَالرُّجُوعُ عَلَى سَيِّدِهِ. وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ أَوِ اكْتَسَبَ، فَالرُّجُوعُ عَلَيْهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، قُضِيَ مِنْ سَهْمِ الْمَسَاكِينِ أَوِ الْغَارِمِينَ. وَإِنْ حَصَلَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَيَسَارِهِ، قُضِيَ مِنْهُ. وَإِنْ حَصَلَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ حَصَلَ لِلَّقِيطِ مَالٌ دُفْعَةً وَاحِدَةً، قُضِيَ مِنْ مَالِ اللَّقِيطِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَفِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ. وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْأَصْحَابُ لِطَرْدِ الْخِلَافِ، فِي أَنَّهُ إِنْفَاقٌ أَوْ إِقْرَاضٌ، إِذَا كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ وَقُلْنَا: نَفَقَتُهُ مِنْهُ، وَالْقِيَاسُ طَرْدُهُ.
قُلْتُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، أَنَّهُ إِنْفَاقٌ، فَلَا رُجُوعَ لِبَيْتِ الْمَالِ قَطْعًا، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ الظَّاهِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَحَيْثُ قُلْنَا: يُقَسِّطُهَا الْإِمَامُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ، فَذَاكَ عِنْدَ إِمْكَانِ الِاسْتِيعَابِ. فَإِنْ كَثُرُوا أَوْ تَعَذَّرَ التَّوْزِيعُ عَلَيْهِمْ، قَالَ الْإِمَامُ: يَضْرِبُهَا السُّلْطَانُ عَلَى مَنْ يَرَاهُ مِنْهُمْ بِاجْتِهَادِهِ. فَإِنِ اسْتَوَوْا فِي اجْتِهَادٍ، تَخَيَّرَ، وَالْمُرَادُ أَغْنِيَاءُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ أَوِ الْقَرْيَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute