للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُصْرَفُ فِي وُجُوهِ الْقُرَبِ لِأَنَّهَا مَصْرَفُ الْحُقُوقِ الْمُضَافَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؟ أَمْ يَرْجِعُ النِّصْفُ الثَّانِي إِلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي؟ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، أَصَحُّهَا: الثَّالِثُ.

وَقَدَّمْنَا وَجْهًا فِيمَا إِذَا أَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ وَوَارِثٍ، وَبَطَلَتْ فِي حَقِّ الْوَارِثِ: أَنَّهَا تَبْطُلُ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا، بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.

وَذَلِكَ الْوَجْهُ مَعَ ضَعْفِهِ، يَلْزَمُ طَرْدُهُ فِي نَصِيبِ زَيْدٍ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ.

قُلْتُ: فَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، صُرِفَ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ «الْعُدَّةِ» وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: مِنْ أَقْسَامِ الْبَابِ فِي الْأَحْكَامِ الْمَعْنَوِيَّةِ.

قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَنَافِعِ الْعَبْدِ وَالدَّارِ صَحِيحَةٌ مُؤَبَّدَةٌ وَمُؤَقَّتَةٌ، وَكَذَا بَغْلَةُ الدَّارِ وَالْحَانُوتِ، وَكَذَا بِثِمَارِ الْبُسْتَانِ الَّتِي تَحْدُثُ عَلَى الْأَصَحِّ.

وَلَوْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدٍ سَنَةً، وَلَمْ تُعَيَّنْ صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ، وَالتَّعْيِينُ لِلْوَارِثِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ ثَمَرَةَ بُسْتَانِهِ الْعَامَ، فَإِنْ لَمْ يُثْمِرْ، فَثَمَرَةَ الْعَامِ الْقَابِلِ، أَوْ خِدْمَةَ عَبْدِهِ الْعَامَ، فَإِنْ مَرِضَ، فَخِدْمَةَ الْعَامِ الثَّانِي.

وَيَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ مُدَّةَ حَيَاةِ زَيْدٍ.

إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَالْغَرَضُ الْآنَ الْكَلَامُ فِي مَسَائِلِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ لِلْمَنَافِعِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَيْسَتْ مُجَرَّدَ إِبَاحَةٍ، كَمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْأَعْيَانِ تَمْلِيكٌ لَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ.

فَلَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ، وُرِثَتْ عَنْهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَلَهُ الْإِجَارَةُ وَالْإِعَارَةُ وَالْوَصِيَّةُ بِهَا.

وَلَوْ تَلِفَ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ، لَمْ يَضْمَنْهُ، كَمَا لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ.

قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ.

هَذَا كُلُّهُ إِذَا أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ، أَوْ قَيَّدَهَا بِالتَّأْبِيدِ.

وَالْمُرَادُ بِالتَّأْبِيدِ: اسْتِيعَابُ الْوَصِيَّةِ مَنْفَعَةَ الْعَبْدِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ.

وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ مُدَّةً مُقَدَّرَةً، كَشَهْرٍ وَسَنَةٍ.

وَحُكِيَ وَجْهٌ: أَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ إِلَى وَارِثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>