الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْأَوْصِيَاءِ
الْوِصَايَةُ مُسْتَحَبَّةٌ فِي رَدِّ الْمَظَالِمِ، وَقَضَاءِ الدُّيُونِ، وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا، وَأُمُورِ الْأَطْفَالِ. قُلْتُ: هِيَ فِي رَدِّ الْمَظَالِمِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ الَّتِي يَعْجِزُ عَنْهَا فِي الْحَالِ وَاجِبَةٌ.
فَإِنْ لَمْ يُوصِ إِلَى أَحَدٍ نَصَّبَ الْقَاضِي مَنْ يَقُومُ بِهَا. وَأَغْرَبَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ فَحَكَى وَجْهًا، أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ رَشِيدٌ، قَامَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَإِنْ لَمْ يُنَصِّبْهُ الْقَاضِي.
وَلِلْوِصَايَةِ أَرْكَانٌ وَأَحْكَامٌ، أَمَّا أَرْكَانُهَا، فَأَرْبَعَةٌ.
[الرُّكْنُ] الْأَوَّلُ: الْوَصِيُّ، وَلَهُ خَمْسَةُ شُرُوطٍ، وَهِيَ: التَّكْلِيفُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالْعَدَالَةُ، وَالْكِفَايَةُ فِي التَّصَرُّفَاتِ. فَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَمَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ، وَالْمُكَاتِبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ، لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إِلَيْهِمْ. وَفِي مُسْتَوْلَدَتِهِ وَمُدَبَّرِهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ صِفَاتِ الْوَصِيِّ تُعْتَبَرُ حَالَةَ الْوِصَايَةِ وَالْمَوْتِ، أَمْ حَالَةَ الْمَوْتِ؟ وَلَا يَجُوزُ وِصَايَةُ مُسْلِمٍ إِلَى ذِمِّيٍّ، وَيَجُوزُ عَكْسُهُ، وَتَجُوزُ وِصَايَةُ الذِّمِّيِّ إِلَى الذِّمِّيِّ عَلَى الْأَصَحِّ بِشَرْطِ الْعَدَالَةِ فِي دِينِهِ، وَلَا تَجُوزُ إِلَى فَاسِقٍ وَلَا إِلَى عَاجِزٍ عَنِ التَّصَرُّفِ لَا يُهْتَدَى إِلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ هَرَمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَرُبَّمَا دَلَّ كَلَامُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ الْأَخِيرَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ.
وَتَجُوزُ الْوِصَايَةُ إِلَى أَعْمَى عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا، فَتَكُونُ الشُّرُوطُ سِتَّةً. وَزَادَ الرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ شَرْطًا سَابِعًا، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ الْوَصِيُّ عَدُوًّا لِلطِّفْلِ الَّذِي يُفَوَّضُ أَمْرُهُ إِلَيْهِ، وَحَصَرُوا الشُّرُوطَ كُلَّهَا بِلَفْظٍ مُخْتَصَرٍ فَقَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَصِيُّ بِحَيْثُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الطِّفْلِ. وَكُلُّ مَا اعْتُبِرَ مِنَ الشُّرُوطِ، فَفِي وَقْتِ اعْتِبَارِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا: يُعْتَبَرُ حَالُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ. وَالثَّانِي: عِنْدَ الْوِصَايَةِ وَالْمَوْتِ جَمِيعًا. وَالثَّالِثُ: يُعْتَبَرُ فِي الْحَالَتَيْنِ وَفِيمَا بَيْنَهُمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute