[الْقَيْدُ] الثَّانِي: إِقْبَالُ الْكَافِرِ عَلَى الْقِتَالِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ اشْتِغَالَهُ بِالْقِتَالِ حِينَ قَتَلَهُ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ تَقَاتَلَا زَمَانًا ثُمَّ هَرَبَ فَقَتَلَهُ الْمُسْلِمُ فِي إِدْبَارِهِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ. وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ مُقَاتَلَتُهُ مَعَ قَاتِلِهِ، بَلْ لَوْ قَصَدَ كَافِرٌ مُسْلِمًا، فَجَاءَ مُسْلِمٌ آخَرُ مِنْ وَرَائِهِ فَقَتَلَهُ، اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ، بَلِ الْمَرْعِيُّ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ، أَنْ يَقْتُلَهُ مُقْبِلًا أَوْ مُدْبِرًا وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ، فَأَمَّا إِذَا انْهَزَمَ جَيْشُ الْكُفَّارِ فَاتَّبَعَهُمْ فَقَتَلَ كَافِرًا، فَلَا يَسْتَحِقُّ سَلَبَهُ؛ لِأَنَّ بِهَزِيمَتِهِمُ انْدَفَعَ شَرُّهُمْ، وَمَا دَامَتِ الْحَرْبُ قَائِمَةً فَالشَّرُّ مُتَوَقَّعٌ، وَالْمُوَلِّي لَا تُؤْمَنُ كَرَّتُهُ. وَلَوْ قَتَلَ كَافِرًا وَهُوَ أَسِيرٌ فِي يَدِهِ، أَوْ نَائِمٌ، أَوْ مَشْغُولٌ بِأَكْلٍ أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ مُثْخَنٌ زَائِلُ الِامْتِنَاعِ، لَمْ يَسْتَحِقَّ سَلَبَهُ.
الْقَيْدُ الثَّالِثُ: قَهَرَهُ بِمَا يَكْفِي شَرَّهُ بِالْكُلِّيَّةِ [بِقَتْلٍ] ، أَوْ إِثْخَانٍ، أَوْ إِزَالَةِ امْتِنَاعٍ، بِأَنْ يُعْمِيَهُ، أَوْ يَقْطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ. وَلَا يَلْحَقُ بِهِ قَطْعُ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ. فَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ، أَوْ يَدًا وَرِجْلًا، فَهُوَ إِثْخَانٌ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ، وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ. وَلَوِ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَتْلِهِ أَوْ إِثْخَانِهِ، فَالسَّلَبُ لَهُمْ. وَفِي وَجْهٍ: أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ بَيْنَ جَمَاعَةٍ لَا يُرْجَى نَجَاتُهُ مِنْهُمْ، لَمْ يَخْتَصَّ قَاتِلُهُ بِسَلَبِهِ؛ لِأَنَّهُ زَالَ شَرُّهُ بِالْوُقُوعِ بَيْنَهُمْ.
قَالَ أَبُو الْفَرَجِ الزَّازِ: لَوْ أَمْسَكَهُ وَاحِدٌ وَقَتَلَهُ آخَرُ، فَالسَّلَبُ بَيْنَهُمَا؛ لِانْدِفَاعِ شَرِّهِ بِهِمَا، وَكَأَنَّ هَذَا فِيمَا إِذَا مَنَعَهُ الْهَرَبَ وَلَمْ يَضْبِطْهُ. فَأَمَّا الْإِمْسَاكُ الضَّابِطُ، فَإِنَّهُ أَسْرٌ، وَقَتْلُ الْأَسِيرِ لَا يُسْتَحَقُّ بِهِ السَّلَبُ.
وَلَوْ أَثْخَنَهُ، فَقَتَلَهُ آخَرُ، فَالسَّلَبُ لِلْمُثْخِنِ. وَلَوْ جَرَحَهُ فَلَمْ يُثْخِنْهُ، فَقَتَلَهُ آخَرُ، فَالسَّلَبُ لِلثَّانِي. وَلَوْ أَسَرَهُ، فَفِي اسْتِحْقَاقِهِ سَلَبَهُ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ كُلَّ شَرِّهِ. وَأَظْهَرُهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ أَصْعَبُ مِنَ الْقَتْلِ وَأَبْلَغُ فِي الْقَهْرِ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنَ الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ. ثُمَّ الْإِمَامُ يَتَخَيَّرُ فِي الْأَسِيرِ الَّذِي لَيْسَ مِنَ الذُّرِّيَّةِ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ كَمَا يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِنْ أَرَقَّهُ، فَهَلْ لِمَنْ أَسَرَهُ رَقَبَتُهُ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute