الضَّرْبُ الثَّانِي: طِينُ الشَّوَارِعِ. فَتَارَةً يَعْلَمُ نَجَاسَتَهُ، وَتَارَةً يَظُنُّهَا، وَتَارَةً لَا قَطْعًا يَعْلَمُهَا وَلَا يَظُنُّهَا. فَالثَّالِثُ: لَا يَضُرُّ.
وَالْمَظْنُونُ فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ، وَالنَّجِسُ يُعْفَى قَلِيلُهُ دُونَ كَثِيرِهِ.
وَالْقَلِيلُ: مَا يُتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَالرُّجُوعُ فِيهِ إِلَى الْعَادَةِ، وَيَخْتَلِفُ بِالْوَقْتِ وَبِمَوْضِعِهِ فِي الْبَدَنِ.
وَذَكَرَ الْأَئِمَّةُ لَهُ تَقْرِيبًا، فَقَالُوا: الْقَلِيلُ مَا لَا يُنْسَبُ صَاحِبُهُ إِلَى سَقْطَةٍ أَوْ كَبْوَةٍ أَوْ قِلَّةٍ تُحْفَظُ. فَإِنْ نُسِبَ فَكَثِيرَةٌ، وَلَوْ أَصَابَ أَسْفَلَ الْخُفِّ أَوِ النَّعْلِ نَجَاسَةٌ فَدَلَّكَهُ بِالْأَرْضِ حَتَّى ذَهَبَتْ أَجْزَاؤُهَا، فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ فِيهِ قَوْلَانِ:
الْجَدِيدُ الْأَظْهَرُ: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا، وَالْقَدِيمُ: يَصِحُّ بِشُرُوطٍ. أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ لِلنَّجَاسَةِ جِرْمٌ يَلْتَصِقُ بِهِ. أَمَّا الْبَوْلُ وَنَحْوُهُ فَلَا يَكْفِي دَلْكُهُ بِحَالٍ، وَالثَّانِي: أَنْ يُدَلِّكَهُ فِي حَالِ الْجَفَافِ، وَمَا دَامَ رَطْبًا لَا يَكْفِي الدَّلْكُ قَطْعًا، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ حُصُولُ النَّجَاسَةِ بِالْمَشْيِ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ. فَلَوْ تَعَمَّدَ تَلْطِيخَ الْخُفِّ بِهَا، وَجَبَ الْغَسْلُ قَطْعًا.
وَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ فِيمَا أَصَابَ أَسْفَلَ الْخُفِّ وَأَطْرَافَهُ مِنْ طِينِ الشَّوَارِعِ - الْمُتَيَقَّنِ النَّجَاسَةِ - الْكَثِيرِ الَّذِي لَا يُعْفَى عَنْهُ وَسَائِرِ النَّجَاسَةِ الْغَالِبَةِ فِي الطُّرُقِ كَالرَّوْثِ وَغَيْرِهِ.
الضَّرْبُ الثَّالِثُ: دَمُ الْبَرَاغِيثِ، يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَفِي كَثِيرِهِ وَجْهَانِ:
أَصَحُّهُمَا: الْعَفْوُ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي دَمِ الْقَمْلِ وَالْبَعُوضِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَفِي وَنِيمِ الذُّبَابِ وَبَوْلِ الْخُفَّاشِ.
وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا فَعَرِقَ وَانْتَشَرَ اللَّطْخُ بِسَبَبِهِ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ.
وَفِي ضَبْطِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ خِلَافٌ. فَفِي قَوْلٍ قَدِيمٍ: الْقَلِيلُ: قَدْرُ دِينَارٍ، وَفِي قَدِيمٍ آخَرَ: مَا دُونُ الْكَفِّ، وَعَلَى الْجَدِيدِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: الْكَثِيرُ: مَا يَظْهَرُ لِلنَّاظِرِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ وَإِمْعَانِ طَلَبٍ، وَالْقَلِيلُ دُونَهُ، وَأَصَحُّهُمَا الرُّجُوعُ إِلَى الْعَادَةِ، فَمَا يَقَعُ التَّلَطُّخُ بِهِ غَالِبًا وَيَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَقَلِيلٌ.
فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْبِلَادِ، وَعَلَى الثَّانِي وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُعْتَبَرُ الْوَسَطُ الْمُعْتَدِلُ، وَلَا يُعْتَبَرُ مِنَ