قَطْعًا. فَالَّذِينَ تَهَوَّدُوا أَوْ تَنَصَّرُوا بَعْدَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُنَاكَحُونَ. وَفِي الْمُتَهَوِّدِينَ بَيْنَ نَبِيِّنَا وَبَيْنَ عِيسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، وَمَنْ جَوَّزَ كَأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّا لَا نَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ نَسْخِ شَرِيعَةِ عِيسَى لِشَرِيعَةِ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ -، وَهَلْ نُسِخَتْ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا، وَهَؤُلَاءِ لَا يُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ.
الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ مِنْ قَوْمٍ لَا يُعْلَمُ مَتَى دَخَلُوا، فَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ، وَيُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ، وَبِذَلِكَ حَكَمَتِ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي نَصَارَى الْعَرَبِ. هَكَذَا أَطْلَقَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، وَفِيهِ شَيْءٌ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَسَنَذْكُرُهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الضَّرْبُ الثَّانِي: الْكِتَابِيَّةُ الْإِسْرَائِيلِيَّةُ. وَالَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي طُرُقِهِمْ، جَوَازُ نِكَاحِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى آبَائِهَا أَدَخَلُوا فِي ذَلِكَ الدِّينِ قَبْلَ التَّحْرِيفِ أَمْ بَعْدَهُ؟ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ إِسْرَائِيلِيَّةٍ يَلْزَمُ دُخُولُ آبَائِهَا قَبْلَ التَّحْرِيفِ وَإِنْ أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ إِسْرَائِيلَ هُوَ يَعْقُوبُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ نُزُولِ التَّوْرَاةِ زَمَانٌ طَوِيلٌ، وَلَسْنَا نَعْلَمُ أَدَخَلَ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى كَثْرَتِهِمْ فِي زَمَانِ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ بَعْدَهُ قَبْلَ التَّحْرِيفِ، بَلْ فِي الْقَصَصِ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِمْرَارِ بَعْضِهِمْ عَلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَدْيَانِ الْفَاسِدَةِ، وَبِتَقْدِيرِ اسْتِمْرَارِ هَذَا فِي الْيَهُودِ، فَلَا يَسْتَمِرُّ فِي النَّصَارَى، لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ فَأَصَرَّ عَلَى دِينِ مُوسَى. ثُمَّ مِنَ الْمُصِرِّينَ مَنْ تَنَصَّرَ عَلَى تَعَاقُبِ الزَّمَانِ قَبْلَ التَّحْرِيفِ وَبَعْدَهُ، وَلَكِنْ كَأَنَّ الْأَصْحَابَ اكْتَفَوْا بِشَرَفِ النَّسَبِ وَجَعَلُوهُ جَابِرًا لِنَقْصِ دُخُولِ الْآبَاءِ فِي الدِّينِ بَعْدَ التَّحْرِيفِ، حَتَّى فَارَقَ حُكْمُهُنَّ حُكْمَ غَيْرِ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ إِذَا دَخَلَ آبَاؤُهُنَّ بَعْدَ التَّحْرِيفِ.
وَأَمَّا الدُّخُولُ فِيهِ بَعْدَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَا تُفَارِقُ فِيهِ الْإِسْرَائِيلِيَّةُ غَيْرَهَا كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute