فَاسْتَعْدَى خَصْمٌ عَلَى خَصْمٍ، وَجَبَ إِعْدَاؤُهُ وَإِحْضَارُ خَصْمِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا، وَلَزِمَ الْمُسْتَعْدَى عَلَيْهِ الْحُضُورُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجِبُ الْحُكْمُ، لَمْ يَجِبِ الْإِعْدَاءُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ، وَلَا يَحْضُرُ قَهْرًا. قَالَ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلَوْ أَقَرَّ ذِمِّيٌّ بِالزِّنَا، أَوْ سَرِقَةِ مَالِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، حُدَّ قَهْرًا إِنْ أَوْجَبْنَا الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ، وَإِلَّا، فَلَا يُحَدُّ إِلَّا بِرِضَاهُ، فَاعْتَبَرَ الْأَصْحَابُ الرِّضَى عَلَى قَوْلِ عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوهُ عَلَى قَوْلِ الْوُجُوبِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ: لَا يَجِبُ الْحُكْمُ إِلَّا إِذَا رَضِيَا جَمِيعًا، فَمَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.
فَرْعٌ
سَوَاءٌ أَوْجَبْنَا الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ، أَمْ لَا، إِنَّمَا نَحْكُمُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ. وَإِذَا تَحَاكَمُوا فِي أَنْكِحَتِهِمْ، فَنُقِرُّ مَا نُقِرُّهُ لَوْ أَسْلَمُوا، وَنُبْطِلُ مَا لَا نُقِرُّهُ لَوْ أَسْلَمُوا.
فَإِذَا نَكَحَ بِلَا وَلِيٍّ وَشُهُودٍ، أَوْ ثَيِّبًا بِلَا إِذْنِهَا أَوْ مُعْتَدَّةً مُنْقَضِيَةَ الْعِدَّةِ عِنْدَ التَّرَافُعِ وَتَرَافَعَا، حَكَمْنَا بِالتَّقْرِيرِ وَالنَّفَقَةِ. فَلَوْ كَانَتْ بَعْدُ فِي الْعِدَّةِ، أَبْطَلْنَاهُ وَلَمْ نُوجِبْ نَفَقَةً. وَلَوْ نَكَحَ مَجُوسِيٌّ مَحْرَمًا، وَتَرَافَعَا فِي النَّفَقَةِ، أَبْطَلْنَاهُ وَلَا نَفَقَةَ. وَلَوْ طَلَبَتْ مَجُوسِيَّةٌ النَّفَقَةَ مِنَ الزَّوْجِ الْمَجُوسِيِّ أَوِ الْيَهُودِيِّ، فَوَجْهَانِ، وَكَذَا فِي تَقْرِيرِهِمَا عَلَى النِّكَاحِ. أَصَحُّهُمَا: التَّقْرِيرُ وَالْحُكْمُ بِالنَّفَقَةِ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَا وَالْتَزَمَا الْأَحْكَامَ. وَوَجْهُ الْمَنْعِ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا فِي الْإِسْلَامِ. وَلَوْ جَاءَ كَافِرٌ تَحْتَهُ أُخْتَانِ، وَطَلَبُوا فَرْضَ النَّفَقَةِ، قَالَ الْإِمَامُ: فِيهِ تَرَدُّدٌ، لِأَنَّا نَحْكُمُ بِصِحَّةِ نِكَاحِهِمَا، وَإِنَّمَا تَنْدَفِعُ إِحْدَاهُمَا بِالْإِسْلَامِ. قَالَ: وَالَّذِي أَدَّى الْقَطْعَ بِهِ الْمَنْعُ، لِقِيَامِ الْمَانِعِ، وَحَيْثُ لَا نُقَرِّرُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، فَهَلْ يُعْرِضُ الْقَاضِي الْمَرْفُوعُ إِلَيْهِ عَنْهُمَا، أَمْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ: الْإِعْرَاضُ، وَإِنَّمَا يُفَرِّقُ إِذَا رَضُوا بِحُكْمِنَا. وَوَجْهُ التَّفْرِيقِ، أَنَّهُمْ بِالتَّرَافُعِ أَظْهَرُوا مَا يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ، كَمَا لَوْ أَظْهَرُوا الْخَمْرَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute