لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ قَطْعِ الدَّوْرِ. وَفِي قَطْعِهِ ثَلَاثَةُ مَسَالِكٍ: تَارَةً يُقْطَعُ مِنْ أَوَّلِهِ، وَتَارَةً مِنْ وَسَطِهِ، وَتَارَةً مِنْ آخِرِهِ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ قُوَّةِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَبُعْدِهِ عَنِ الدَّفْعِ، وَضَعْفِ بَعْضِهَا وَقُرْبِهِ لِلدَّفْعِ.
مِثَالُ الْقَطْعِ مِنْ أَوَّلِهِ: بَيْعُ الْعَبْدِ لِزَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِصَدَاقِهَا الثَّابِتِ فِي ذِمَّةِ السَّيِّدِ، فَإِنَّا حَكَمْنَا بِفَسَادِ الْبَيْعِ، وَقَطَعْنَا الدَّوْرَ مِنْ أَصْلِهِ، لَمْ نَقُلْ: يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ، أَوْ يَنْفَسِخُ وَلَا يَسْقُطُ الصَّدَاقُ، وَسَبَبُهُ أَنَّ الْبَيْعَ اخْتِيَارِيٌّ، وَحُصُولُ الِانْفِسَاخِ بِالْمِلْكِ قَهْرِيٌّ، وَكَذَا سُقُوطُ الصَّدَاقِ بِالِانْفِسَاخِ، وَمَا يَخْتَارُهُ الْإِنْسَانُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ، يَصِحُّ تَارَةً وَيَفْسُدُ أُخْرَى، وَمَا يَثْبُتُ قَهْرًا يَبْعُدُ دَفْعُهُ بَعْدَ حُصُولِ سَبَبِهِ، فَكَانَ الْبَيْعُ أَوْلَى بِالدَّفْعِ مِنْ غَيْرِهِ.
وَمِثَالُ الْقَطْعِ مِنَ الْوَسَطِ: الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ، فَإِنَّا لَمْ نَقْطَعِ الدَّوْرَ مِنْ أَوَّلِهِ بِأَنْ نَقُولَ: لَا يَحْصُلُ الْعِتْقُ وَلَا مِنْ آخِرِهِ، بِأَنْ نَقُولَ: لَا يَزِيدُ الْمَهْرُ حَتَّى لَا تَضِيقَ التَّرِكَةُ، وَلَكِنْ قَطَعْنَاهُ مِنْ وَسَطِهِ فَقُلْنَا: لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ، وَسَبَبُهُ أَنَّ سُقُوطَ الْمَهْرِ عِنْدَ الْفَسْخِ قَهْرِيٌّ يَبْعُدُ دَفْعُهُ، وَالْخِيَارُ أَوْلَى بِالدَّفْعِ مِنَ الْعِتْقِ ; لِأَنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، وَالْخِيَارُ يَسْقُطُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِالْإِسْقَاطِ وَبِالتَّقْصِيرِ.
وَمِثَالُ الْقَطْعِ مِنَ الْآخِرِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنَ الْخَمْسِ، فَإِنَّا لَمْ نَقْطَعِ الدَّوْرَ مِنَ الْأَوَّلِ بِأَنْ نَقُولَ: لَا يَحْصُلُ الْعِتْقُ، وَلَا مِنَ الْوَسَطِ بِأَنْ نَقُولَ: لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ، لَكِنْ قَطَعْنَاهُ مِنَ الْآخِرِ فَقُلْنَا: لَيْسَ لَهَا الْمَهْرُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: سَبَبُهُ أَنَّ الْعِتْقَ لَهُ قُوَّةُ السُّرْعَةِ وَالسِّرَايَةِ، فَلَا يُدْفَعُ، وَالنِّكَاحُ أَقْوَى مِنَ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى فِيهِ، فَإِنَّ ثُبُوتَ النِّكَاحِ يَسْتَغْنِي عَنِ الْمَهْرِ بِدَلِيلِ الْمُفَوَّضَةِ، وَالْمُسَمَّى مَهْرًا لَا يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute