فَالْأَدَاءُ عَنْهُ مَحْضُ إِسْقَاطٍ. أَمَّا إِذَا أَصْدَقَهَا الْأَبُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَيَجُوزُ وَيَكُونُ تَبَرُّعًا مِنْهُ عَلَى الِابْنِ. قَالَ الْبَغَوِيُّ: سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا. ثُمَّ لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، عَادَ الْخِلَافُ فِيمَنْ يَرْجِعُ إِلَيْهِ النِّصْفُ. فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ الْعَوْدُ إِلَى الِابْنِ، فَإِنْ كَانَ أَصْدَقَهَا عَيْنًا وَبَقِيتْ بِحَالِهَا فَرَجَعَ النِّصْفُ إِلَيْهِ، فَهَلْ لِلْأَبِ الرُّجُوعُ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِيمَا إِذَا زَالَ مِلْكُ الِابْنِ عَنِ الْمَوْهُوبِ ثُمَّ عَادَ. وَإِنْ أَصْدَقَهَا دَيْنًا، قَالَ الْبَغَوِيُّ: فَلَا رُجُوعَ فِيمَا حَصَلَ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى لِابْنِهِ الصَّغِيرِ شَيْئًا فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ أَدَّاهُ مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ وَجَدَ الِابْنُ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا فَرَدَّهُ، يَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ وَلَا يَرْجِعُ الْأَبُ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا يَعُودُ الثَّمَنُ إِلَى الْأَبِ ; لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ الْأَدَاءُ. وَلَوِ ارْتَدَّتِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَالْقَوْلُ فِيمَنْ يَعُودُ إِلَيْهِ كُلُّ الصَّدَاقِ وَفِي رُجُوعِ الْأَبِ فِيهِ إِذَا عَادَ إِلَى الِابْنِ، كَالْقَوْلِ فِي النِّصْفِ عِنْدِ الطَّلَاقِ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ، فَمِنْ مُفْسِدَاتِ الصَّدَاقِ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ إِثْبَاتِهِ رَفْعُهُ، وَذَلِكَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِتَوَسُّطِ تَأْثِيرِهِ فِي رَفْعِ النِّكَاحِ، وَإِمَّا بِغَيْرِ هَذَا التَّوَسُّطِ. مِثَالُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يَنْكِحَ حُرَّةً وَيَجْعَلَ رَقَبَتَهُ صَدَاقًا لَهَا فَفَعَلَ، لَا يَصِحُّ الصَّدَاقُ ; لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمَلَكَتْ زَوْجَهَا وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَارْتَفَعَ الصَّدَاقُ، وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا النِّكَاحُ ; لِأَنَّهُ قَارَنَهُ مَا يُضَادُّهُ، وَفِي صِحَّتِهِ احْتِمَالٌ لِبَعْضِ الْأَئِمَّةِ.
قُلْتُ: هَذَا الِاحْتِمَالُ، ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ قَالَا: وَلَكِنْ لَا صَائِرَ إِلَيْهِ مِنَ الْأَصْحَابِ، وَقَدْ جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ «الشَّامِلِ» ذَكَرَهُ فِي آخِرِ «بَابِ الشِّغَارِ» ، وَلَكِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، الْجَزْمُ بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي نِكَاحِ أَمَةٍ، وَيَجْعَلُ رَقَبَتَهُ صَدَاقَهَا، فَفَعَلَ، صَحَّ النِّكَاحُ وَالصَّدَاقُ ; لِأَنَّ الْمَهْرَ لِلسَّيِّدِ لَا لَهَا. فَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، بُنِيَ عَلَى مَا إِذَا بَاعَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute