وَمَنْ وَقَعَ فِي حَجْرِهِ شَيْءٌ مِنَ النِّثَارِ، فَإِنْ بَسَطَهُ لِذَلِكَ، لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ. فَإِنْ سَقَطَ مِنْهُ بِنَفْسِ الْوُقُوعِ، لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ عَلَى الْأَصَحِّ، فَيُمْنَعُ غَيْرُهُ مِنْ أَخْذِهِ.
وَإِنْ لَمْ يَبْسُطْهُ لَهُ، لَمْ يَمْلِكْهُ، لِعَدَمِ الْقَصْدِ وَالْفِعْلِ. فَإِنْ نَفَضَهُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ أَوَّلًا، وَإِلَّا فَهُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ.
فَلَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ، فَفِي مِلْكِهِ وَجْهَانِ جَارِيَانِ، فِيمَا لَوْ عَشَّشَ طَائِرٌ فِي مِلْكِهِ فَأَخَذَ فَرْخَهُ غَيْرُهُ. وَفِيمَا إِذَا دَخَلَ السَّمَكُ مَعَ الْمَاءِ حَوْضَهُ، وَفِيمَا إِذَا وَقَعَ الثَّلْجُ فِي مِلْكِهِ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ، وَفِيمَا إِذَا أَحْيَا مَا يَحْجُرُهُ غَيْرُهُ.
لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْمُحْيِيَ يَمْلِكُ. وَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ مَيْلُهُمْ إِلَى الْمَنْعِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّ الْمُتَحَجِّرَ غَيْرُ مَالِكٍ فَلَيْسَ الْإِحْيَاءُ تَصَرُّفًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَوْ سَقَطَ مِنْ حَجْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْصِدَ أَخْذَهُ، أَوْ قَامَ فَسَقَطَ، بَطَلَ اخْتِصَاصُهُ، كَمَا لَوْ طَارَ الْفَرْخُ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِغَيْرِ صَاحِبِ الْأَرْضِ أَخْذُهُ بِلَا خِلَافٍ.
ثُمَّ اخْتِصَاصُ مَنْ وَقَعَ فِي حَجْرِهِ مَخْصُوصٌ بِمَنْ هُوَ مِمَّنْ يَأْخُذُهُ. أَمَّا مَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ وَلَا يَرْغَبُ فِيهِ، فَلَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِهِ، وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ مِنْ حَجْرِهِ، ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ. وَيُكْرَهُ أَخْذُ النِّثَارِ مِنَ الْهَوَاءِ بِالْمُلَاءَةِ وَالْأُزُرِ الْمَرْبُوطَةِ بِرُءُوسِ الْخَشَبِ.
فَإِنْ أُخِذَ كَذَلِكَ اسْتَحَقَّهُ؛ وَنَثْرُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، كَنَثْرِ السُّكَّرِ ذَكَرَهُ الْمَسْعُودِيُّ.
قُلْتُ: وَلَوِ الْتَقَطَ النِّثَارَ صَبِيٌّ مَلَكَهُ، وَلَوِ الْتَقَطَهُ عَبَدٌ مَلَكَهُ سَيِّدُهُ، ذَكَرَهُ إِبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ، وَالْخِتَانُ فِي هَذَا كَإِمْلَاكٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute