قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا نَعَمْ. وَالْأَصَحُّ مِنَ الْوَجْهَيْنِ فِي تَأْدِيبِهَا، أَنَّهُ يُؤَدِّبُهَا بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ فِي رَفْعِهَا إِلَى الْقَاضِي مَشَقَّةً وَعَارًا وَتَنْكِيدًا لِلِاسْتِمْتَاعِ فِيمَا بَعْدُ، وَتَوْحِيشًا لِلْقُلُوبِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَتَمَتْ أَجْنَبِيًّا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَتَعَدَّى الرَّجُلُ، فَيُنْظَرُ، إِنْ مَنَعَهَا حَقًّا كَنَفَقَةٍ أَوْ قَسْمٍ، أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ تَوْفِيَةَ حَقِّهَا. وَلَوْ كَانَ يَسِيءُ خُلُقُهُ وَيُؤْذِيهَا وَيَضْرِبُهَا بِلَا سَبَبٍ، فَفِي «التَّتِمَّةِ» أَنَّ الْحَاكِمَ يَنْهَاهُ. فَإِنْ عَادَ، عَزَّرَهُ. وَفِي «الشَّامِلِ» وَغَيْرِهِ، أَنَّهُ يُسْكِنُهُمَا بِجَنْبِ ثِقَةٍ يَنْظُرُهُمَا، وَيَمْنَعُهُ مِنَ التَّعَدِّي، وَالنَّقْلَانِ مُتَقَارِبَانِ.
وَذَكَرُوا أَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّعَدِّي مِنْهُمَا جَمِيعًا، فَكَذَلِكَ يَفْعَلُ الْحَاكِمُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْحَيْلُولَةِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: يُحَالُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَعُودَا إِلَى الْعَدْلِ. قَالَ: وَلَا يُعْتَمَدُ قَوْلُهُ فِي الْعَدْلِ، وَإِنَّمَا يُعْتَمَدُ قَوْلُهَا وَشَهَادَةُ الْقَرَائِنِ.
وَإِنْ كَانَ لَا يَمْنَعُهَا حَقًّا، وَلَا يُؤْذِيهَا بِضَرْبٍ وَنَحْوِهِ، لَكِنْ يَكْرَهُ صُحْبَتَهَا لِمَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ، وَلَا يَدْعُوهَا إِلَى فِرَاشِهِ، أَوْ يَهُمُّ بِطَلَاقِهَا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَسْتَرْضِيَهُ بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهَا مِنْ قَسْمٍ أَوْ نَفَقَةٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ هِيَ تَشْكُوهُ وَتَكْرَهُ صُحْبَتَهُ، فَيَحْسُنُ أَنْ يَبَرَّهَا وَيَسْتَمِيلَ قَلْبَهَا بِمَا تَيَسَّرَ لَهُ.
الْحَالُ الثَّالِثُ: إِذَا نَسَبَ كُلُّ وَاحِدٍ الْآخَرَ إِلَى التَّعَدِّي، وَسُوءِ الْخُلُقِ، وَقُبْحِ السِّيرَةِ، وَلَمْ يَعْرِفِ الْحَاكِمُ الْمُتَعَدِّيَ مِنْهُمَا، يَعْرِفُ حَالَهُمَا مِنْ ثِقَةٍ فِي جِوَارِهِمَا خَبِيرٍ بِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَسْكَنَهُمَا بِجَنْبِ ثِقَةٍ يَبْحَثُ عَنْ حَالِهِمَا وَيُنْهِيهَا إِلَيْهِ.
فَإِنْ عَلِمَ الظَّالِمَ، مَنَعَهُ، هَكَذَا أَطْلَقُوهُ، وَظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِقَوْلِ عَدْلٍ، وَلَا يَخْلُو عَنِ احْتِمَالٍ. وَإِذَا اشْتَدَّ شُقَاقُهُمَا، وَدَامَا عَلَى السِّبَابِ الْفَاحِشِ وَالتَّضَارُبِ، بَعَثَ الْقَاضِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute