وَالْمَذْهَبُ الِانْفِسَاخُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي «الْمُخْتَصَرِ» وَأَكْثَرِ الْكُتُبِ وَرَجَّحَهُ الْجُمْهُورُ.
وَامْتِنَاعُ الصَّبِيِّ مِنَ الِارْتِضَاعِ وَالْتِقَامِ الثَّدْيِ، كَالْمَوْتِ. فَإِنْ قُلْنَا بِالِانْفِسَاخِ، فَذَلِكَ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ، وَلَا يَنْفَسِخُ فِي الْمَاضِي عَلَى الْمَذْهَبِ.
وَقِيلَ: قَوْلَانِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، فَإِنِ انْفَسَخَ فِيمَا مَضَى رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْأَظْهَرِ.
وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، بِأُجْرَةِ مِثْلِ الْإِرْضَاعِ تِلْكَ الْمُدَّةَ، وَعَلَى الزَّوْجِ لَهَا أُجْرَةُ الْإِرْضَاعِ فِي الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ. وَإِنْ لَمْ تَنْفَسِخْ فِي الْمَاضِي، فَعَلَى الْأَظْهَرِ يَرْجِعُ بِقِسْطِ الْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ إِذَا وُزِّعَ مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْمُدَّتَيْنِ.
وَعَلَى الثَّانِي: يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ مِثْلِ مَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، فَإِنْ أَتَى بِصَبِيٍّ مِثْلِهِ لِتُرْضِعَهُ، فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِهِ مَعَ الْإِمْكَانِ حَتَّى مَضَتِ الْمُدَّةُ، فَوَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ حَقُّهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ لَمْ يَنْتَفِعِ الْمُسْتَأْجِرُ بَعْدَ قَبْضِهِ الْعَيْنَ، تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ.
وَالثَّانِي: يَلْزَمُهَا قِسْطُ الْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ إِذَا وُزِّعَ عَلَى الْمُدَّتَيْنِ، كَمَا إِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ، يَكُونُ مِنْ ضَمَانِهِ وَإِنْ تَمَكَّنَ الْمُشْتَرِي مِنَ الْقَبْضِ، وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْبَغَوِيِّ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْوَجْهُ الثَّانِي. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِصَبِيٍّ آخَرَ لِعَجْزِهِ، فَقَدْ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ، بِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ [كَمَا] إِذَا حَكَمْنَا بِالِانْفِسَاخِ، وَالْوَجْهُ أَنْ يَطَّرِدَ فِيهِ الْخِلَافُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَجْزِ وَعَدَمِهِ كَمَا سَبَقَ فِي «الْإِجَارَةِ» فِيمَا لَوْ تَلِفَ الثَّوْبُ الْمُعَيَّنُ لِلْخِيَاطَةِ وَقُلْنَا: لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ، فَلَمْ يَأْتِ الْمُسْتَأْجِرُ بِثَوْبٍ مِثْلِهِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ، فَإِنَّ فِي اسْتِقْرَارِ الْأُجْرَةِ وَجْهَيْنِ، سَوَاءٌ امْتَنَعَ مِنَ الْإِبْدَالِ لِعَجْزِهِ أَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute