لَا تَنْجِيزًا وَلَا تَعْلِيقًا. فَلَوْ قَالَ مُرَاهِقٌ: إِذَا بَلَغْتُ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَبَلَغَ، أَوْ قَالَ مَجْنُونٌ: إِذَا أَفَقْتُ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ أَفَاقَ، أَوْ قَالَا: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَبَلَغَ وَأَفَاقَ قَبْلَ الْغَدِ فَلَا طَلَاقَ.
قُلْتُ: هَكَذَا اقْتَصَرَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ فِي شَرْطِ الْمُطَلِّقِ عَلَى كَوْنِهِ مُكَلَّفًا، وَقَدْ يُورَدُ عَلَيْهِ السَّكْرَانُ، فَإِنَّهُ يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَيْسَ مُكَلَّفًا كَمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، وَلَكِنَّ مُرَادَ أَهْلِ الْأُصُولِ، أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ حَالَ السُّكَّرِ، وَمُرَادُنَا هُنَا أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِقَضَاءِ الْعِبَادَاتِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الرُّكْنُ الثَّانِي: اللَّفْظُ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ: أَحَدُهَا فِي اللَّفْظِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ، وَالثَّانِي، فِي الْأَفْعَالِ الْقَائِمَةِ مَقَامَهُ. وَالثَّالِثُ فِي تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ إِلَى الزَّوْجَةِ وَأَحْكَامِ تَفْوِيضِهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ، فَاللَّفْظُ: صَرِيحٌ وَهُوَ مَا لَا يَتَوَقَّفُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهِ عَلَى نِيَّةٍ، وَكِنَايَةٌ وَهُوَ مَا تَوَقَّفَ عَلَى نِيَّةٍ، أَمَّا الصَّرِيحُ، فَلَفْظُ الطَّلَاقِ وَالسَّرَاحِ وَالْفِرَاقِ وَحَكَى أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ، أَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَزَّازَ نَقَلَ قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّ السَّرَاحَ وَالْفِرَاقَ كِنَايَتَانِ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، فَقَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ مُطَلَّقَةٌ، أَوْ يَا طَالِقُ أَوْ يَا مُطَلَّقَةُ، صَرِيحٌ. وَقِيلَ: يَا مُطَلَّقَةُ وَأَنْتِ مُطَلَّقَةٌ كِنَايَةٌ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَأَمَّا الْمُشْتَقُّ مِنَ الْإِطْلَاقِ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِإِسْكَانِ الطَّاءِ أَوْ يَا مُطْلَقَةُ، فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ عَلَى الصَّحِيحِ لِعَدَمِ اشْتِهَارِهِ، وَإِنْ كَانَ الْإِطْلَاقُ وَالتَّطْلِيقُ مُتَقَارِبَيْنِ.
وَفِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَلَاقٌ، أَوِ الطَّلَاقُ، أَوْ طَلْقَةٌ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ كِنَايَةٌ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ نِصْفُ طَلْقَةٍ، فَكِنَايَةٌ. قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ كُلُّ طَلْقَةٍ أَوْ نِصْفُ طَالِقٍ، فَصَرِيحٌ، كَقَوْلِهِ: نِصْفُكِ طَالِقٌ.
وَنَقَلَ الْعَبَّادِيُّ خِلَافًا فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ نِصْفُ طَلْقَةٍ، وَيَجُوزُ أَنَّ يَجِيءَ هَذَا الْخِلَافُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute