وَأَمَّا مَا يُحْتَاجُ إِلَى قَبُولٍ، فَهُوَ نِكَاحٌ وَغَيْرُهُ، أَمَّا غَيْرُهُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ، فَفِي انْعِقَادِهَا بِالْكَتْبِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الطَّلَاقِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ، إِنْ لَمْ يُعْتَبَرِ الْكَتْبُ هُنَاكَ، فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، لِلْخِلَافِ فِي انْعِقَادِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بِالْكِنَايَاتِ، وَلِأَنَّ الْقَبُولَ فِيهَا شَرْطٌ فَيَتَأَخَّرُ عَنِ الْإِيجَابِ، وَالْأَشْبَهُ الِانْعِقَادُ. وَمَنْ قَالَ بِهِ، جَعَلَ تَمَامَ الْإِيجَابِ بِوُصُولِ الْكِتَابِ، حَتَّى يُشْتَرَطَ اتِّصَالُ الْقَبُولِ بِهِ. وَفِي وَجْهٍ: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، بَلْ يُرَاعَى التَّوَاصُلُ اللَّائِقُ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ، وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى هَذَا كُلِّهِ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ، وَذَكَرْنَا عَنْ بَعْضِهِمْ، أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ قَبِلَ بِالْقَوْلِ، كَانَ أَقْوَى مِنْ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ.
وَأَمَّا النِّكَاحُ، فَفِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ، وَالْمَذْهَبُ مَنْعُهُ بِسَبَبِ الشَّهَادَةِ، فَلَا اطِّلَاعَ لِلشُّهُودِ عَلَى النِّيَّةِ. وَلَوْ قَالَا بَعْدَ الْمُكَاتَبَةِ: نَوَيْنَا، كَانَ شَهَادَةً عَلَى إِقْرَارِهِمَا لَا عَلَى نَفْسِ الْعَقْدِ، وَمَنْ جَوَّزَ اعْتَمَدَ الْحَاجَةَ. وَإِذَا قُلْنَا: يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ بِالْمُكَاتَبَةِ، فَذَلِكَ فِي حَالِ الْغَيْبَةِ، فَأَمَّا عِنْدَ الْحُضُورِ، فَخِلَافٌ مُرَتَّبٌ.
وَحَيْثُ حَكَمْنَا بِانْعِقَادِ النِّكَاحِ بِالْمُكَاتَبَةِ يَكْتُبُ: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي، وَيَحْضُرُ الْكِتَابَ عَدْلَانِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْضُرَهُمَا، وَلَا أَنْ يَقُولَ: اشْهَدَا. فَإِذَا بَلَغَهُ، فَيَقْبَلُ لَفْظًا. أَوْ يَكْتُبُ الْقَبُولَ، وَيَحْضُرُ الْقَبُولَ شَاهِدَا الْإِيجَابِ، فَإِنْ شَهِدَهُ آخَرَانِ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، وَمَنْ جَوَّزَهُ، احْتَمَلَهُ كَمَا احْتَمَلَ الْفَصْلَ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ. ثُمَّ إِذَا قَبِلَ لَفْظًا أَوْ كِتَابَةً، يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ سَبَقَ.
فَرْعٌ
كَتَبَ إِلَيْهِ: وَكَّلْتُكَ فِي بَيْعِ كَذَا مِنْ مَالِي، أَوْ إِعْتَاقِ عَبْدِي، فَإِنْ قُلْنَا: الْوِكَالَةُ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى الْقَبُولِ، فَهُوَ كَكَتْبِ الطَّلَاقِ، وَإِلَّا فَكَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute